كنا جالسين في البيت عندما اخبرنا احمد (اشارة الى المرحوم السيد احمد الخميني، نجل الامام) بذهاب الشاه.. لم نكن نصدق.. إلاّ ان احمد ذكر انه حقيقة وان افراد الشعب خرجوا الى الشوارع للتعبير عن سرورهم و افراحهم.. انهمرت دموع الشوق من اعين الجميع. عند انتشار الخبر، انهالت جموع المراسلين و الاصدقاء المتواجدين في باريس، متوجهة الى نوفل لوشاتو، حيث حضر اكثر من خمسمائة مراسل هناك.. فمن كان ملازماً في نوفل لوشاتو، قام بالتعبير عن مشاعره وتقديم التهاني بانتصار الشعب الثائر.. خلال ذلك الابتهاج، كان القلق يتسرب الى الجميع ظاهراً بما تزخربه اعينهم منه مضطربة! وذلك بالنسبة لمستقبل مبهم، كيفية التصدي لخطط امريكا و شرارات حكومة الشاه.. في تلك اللحظات الحسّاسة، التي كان فيها السرور، القلق، والغليان، يغطي فضاء نوفل لوشاتو.. كان الجميع بانتظار ردة فعل الامام.. كانت الجموع الحاضرة، تزداد اكثر فاكثر...
جاء احمد الى الامام واخبره بالحشود المتواجدة وكثرة المراسلين، قائلاً: ان الجميع ينتظرون انْ تحدثهم. اجاب الامام: الآن.. لاتوجد فرصة كافية لذلك، باقتراب وقت الصلاة. لكنّ سماحته خرج من البيت، مؤدياً احترامه للحاضرين.. إلاّ انه (قدس سره) وبسبب كثافة الناس، لم يستطع عبور الشارع، فارتقى كرسياً خلف سياج باحة البيت، حيث اختلطنا بصعوبة بالجموع الحاضرة جنب المراسلين، للاستماع الى حديث الامام. قام سماحته بالقاء كلمة قصيرة امام مراسلي الاعلام، بصلابته المعهودة.. فبارك اولاً للشعب الايراني خروج الشاه، ثم اردف قائلاً: ان خروج الشاه، هو المرحلة الاولى لنهاية عصره الاجرامي، وجاء ذلك عقب النضال البطولي للشعب الايراني، معلناً، سماحته، انه سيُفصح عن برنامجه السياسي خلال بيان يصدره. كذلك قال مخاطباً الشعب: احذروا.. فان اصل الخطر لم يرتفع بعد! مشاكل كثيرة امامنا... انّ قطع نفوذ الاجانب، اهم من خروج الشاه! فهذا الانتصار،هو، طليعة خروج الاجانب.. وهذه التهنئة، هي، اكثر من التهنئة بذهاب الشاه!.. ليعلم الشعب الايراني، ان البلاد التي تم تدميرها خلال خمسين سنة بواسطة اسرة بهلوي (محمدرضا شاه ورضاخان -هو والد الشاه محمدرضا بهلوي) لاتُعَمّر الاّ بصعوبة! لذا، فعلى الجميع، بعيداً عن اختلاف المذاق، السعي لبناء ايران. ثم اوصى سماحته (قدس سره) الناس بأن يراقبوا بانفسهم النظم في البلاد، وان يقوم الشباب الغيارى بالسيطرة على المدن، القرى والحدود (وتسيير شؤونها)، وعدم اتاحة الفرصة للانتهازيين والفوضويين بالشغب والاضطرابات اني، كذلك، احذّر اولئك بالقيام باعمال مخلة (للامن).. لان مصيرهم سيكون اسوأ مايمكن!.. (اما) الذين ارتكبوا اعمالاً مُنافية (ضد الشعب).. فانهم، إن تابوا.. فالله تعالى يقبل توبة الجميع، واذا ماعادوا الى احضان الشعب، فان الشعب، ايضاً، سيقبلهم.. وطلب سماحته من افراد الشعب، في الختام، الاستمرار بالتظاهرات ضد الحكومة الغاصبة. بعدها- استعد سماحته، لاقامة الصلاة. كان بين الحاضرين عدد من الجيران الفرنسيين الذين تصادقنا معهم، حيث قدّموا لنا التهاني بمناسبة هذا الانتصار.. وكانوا يأسفون، في ذات الوقت، لاننا سنتركهم عن قريب! .. بعث الامام، نداءً (مدوّناً ) اضافة الى كلمته المذكورة اعلاه، الى الشعب الايراني، اعتبر سماحته (قدس سره) فيه، ان خروج الشاه، هو، هروب من ايران!
مطالباً الجيش بالكف عن الدفاع عن الشاه لانه لايعود الى ايران قط، بالتأكيد!.. كذلك، ذكّر افراد الشعب، بامكانية التفوق على المشاكل مهما صعبت بالتضحية والصمود والوصول الى المقصد مهما كان صعباً، طالباً منهم الاستمرار بالتظاهرات، وموصياً الشباب، ايضاً، بالتعاون مع قوات الامن التي عادت الى احضان الشعب، للحفاظ على النظم والامن، ومنع اية اعمال شغب وفوضى وشعارات منحرفة، يقوم بها الاعداء، كذلك طالب المجموعات السياسية التي اعتنقت مبادئ هدّامة (اتحرافية)، بالعودة الى احضان الاسلام (الحارة).. وصرّح سماحته قائلاً: سنستقبلهم (نحن) ايضاً، كأخوة (لنا). ثم اعلن سماحته (قدس سره)، انه سيعرّف حكومة مؤقتة، للقيام بالانتخابات والمصادقة على الدستور الجديد. وفيما يتعلق بعودته ذكر سماحته انه سيعود في اول فرصة سانحة.
- مقتطفات من كتاب (اقليم خاطرات) ص 522-523، الطبعة الثانية (1390 هـ.ش) -الناشر: كلية الامام والثورة الاسلامية للابحاث. (ف)
- قسم الشؤون الدولية.