السيد مصطفى منذ ولادته وحتى البلوغ
السيد مصطفى اول ابناء الامام الخميني (رض) أبصر النور في 21 آذار (1309هـ.ش) (21 رجب 1349) (1930م) في زمن ولادته كانت عائلة الامام الخميني (رض) تسكن في بيت مستأجر في محلة الوندية القريبة من "محلة عشق علي" في قم. والدته السيدة خديجة الثقفي تحكي لنا قصة تسميته وكيفية انتخاب هذا الاسم له فتقول: "كنت أحب كثيراً تسميته مصطفى ولست أدري ما كان السيد (الامام الخميني) يحب تسميته، ولكني اقنعته وأرضيته بذلك لكون اسم والده مصطفى ايضاً ولذلك كنت أراه مناسباً جداً لذا اسميناه محمداً ولقبه مصطفى وكنيته ابو الحسن، لم نختر ابا القاسم للتشابه القريب بأسم الرسول الاعظم ولقبه وكنيته.
السيد مصطفى ولحد الرابعة من عمره لم يكن يستطيع النطق بشكل صحيح الا ببعض كلمات، ولم يمر وقت طويل حتى التحق بأحدى المكاتب القريبة من منزلهم وقد كان له تأثير كبير في تسهيل نطقه والغلبة على هذه المشكلة والسيطرة عليها. كان في طفولته في احضان والدة متقية ووالد عالم ومجتهد، النشوء في مثل هذه العائلة المملوءة بالمعنويات والروح المذهبية كان له الاثر الاكبر في بلورة الشخصية المذهبية، العلمية والاسلامية للسيد مصطفى، وبروز استعداده ونبوغه في زمن كان الجهل والاميةوالمشاكل الثقافية والاجتماعية الكثيرة تعصف بأركان المجتمع. نستطيع القول وبجرأة ان جسارته وشجاعته النابعة من تربيته الاولى كانت محط اعجاب الناظرين.
وكان الامام الخميني (رض)، منذ طفولته وحتى شبابه وحتى ايام دراسته مراقباً وبدقة ذهاب واياب واصدقاء السيد مصطفى، وكان دائم التأكيد على مراعاة النظم والجدية وخاصة في الدراسة.
خصوصياته الاخلاقية والشخصية
من الناحية الاخلاقية فأن للسيد مصطفى الخميني خصوصيات عديدة من ناحية حسن الاخلاق، برودة الدم، بساطة العيش، صراحة الكلام، ذو شخصية نافذة، الزهد، صفاء السريرة، قوة الشخصية، الاستقلالية في الرأي، والاهم من كل هذا انتماؤه لعائلة الخميني وكونه الابن الاكبر.
السيد مصطفى وعلى العكس من كونه ابن شخصية مثل الامام الخميني (س) وكان يستطيع الاستفادة من هذه المكانة التي يتمتع بها والده لكنه لم يسعَ في أي وقت من الاوقات أن يتصرف كأبن للسيد او يتدخل في تعيين السياسات والتوجهات وهو الى جوار والده الامام (رض)، ولكنه سعى أن يظهر الامام الخميني كصاحب شخصية مستقلة وصاحب فكر ونهج خاص بين الاخرين وايضاً لم يسمح لنفسه أن يكون شخصاً تابعاً لغيره. حجة الاسلام الدعائي الذي كان لسنوات عديدة شاهداً قريباً وناظراً لاخلاق وسلوكية السيد مصطفى يقول في هذا المجال:"كان دائماً متنفراً ممن يكن له الاحترام او يقبل شخصيته لكونه ابن السيد".
خصوصياته العبادية والعرفانية والمذهبية
آية الله السيد مصطفى الخميني من الناحية المعنوية كان ذا مكانة ومقام بارز. فأنه منذ بداية حياته كان الى جانب الدرس والدراسة وتعلم العلوم، فقد اهتم بتهذيب النفس والاخلاق وأعطاها اهتماماً خاصاً. فإذا كان طلاب العلوم الدينية والروحانيون بعيدين عن هذه الخصيصة ولم يوفقوا الى جانب دراسة العلوم الدينية والاسلامية بتهذيب اخلاقهم ولم يكونوا جديين في جهاد النفس، فأن احتمال موفقيتهم في اصلاح المجتمع يكون بذات الدرجة من هذا الابتعاد. لذا فأن الحاج السيد مصطفى بالاستفادة من هذه الخصوصية المهمة، فأنه كان على استعداد كامل للولوج في المجتمع والتعهد بالالتزام بالدور المهم الملقى على عاتقه.
كان للسيد مصطفى برنامجاً منظماً لساعات الليل والنهار، برنامجا للعبادة، المباحثة، المطالعة، الرياضة والترفيه، كان دائماً حريصاً على برنامجه اليومي. في الليل كان ينشغل بالعبادة والمطالعة وفي اكثر الاحيان يتواصل حتى أذان الصبح، بعد الاذان كان ينام لمدة ساعتين او ثلاث وبقية اليوم كان مستيقظاً. كانت من برامجه اليومية التي لا تنقطع تلاوة جزء او نصف جزء من القرآن. وفي طريقة تلاوته للقرآن كان له اسلوبه الخاص حيث كان يهز رأسه ويقرأ بشكل عادي وكان معتقداً بأن هذا النوع من القراءة ينور قلب القارئ للقرآن.
السيد مصطفى كان مأنوساً ومتآلفاً مع الادعية المختلفة. دعاء كميل، دعاء التوسل، دعاء شهر رجب، زيارة عاشوراء، الزيارة الجامعة وسائر الادعية الفردية والجماعية، وكان يؤديها بشكل متواصل. كان من عشاق بيت العصمة والطهارة- عليهم السلام- وكان عند حضوره في زيارة الاماكن المتبركة تنتابه حالة خاصة، لذا كانت الزيارات ضمن برامجه الدائمية. كانت له علاقة خاصة بالامام الحسين (ع) كان يزور الامام الحسين (ع) باستمرار كان يقرأ زيارة عاشوراء بشكل يومي. ولأجل زيارة المرقد المطهر للامام الحسين (ع) كان يقطع المسافة بين النجف وكربلاء سيراً على الاقدام. وفي بعض الاحيان كان يستقل السيارة للزيارة.
الدراسة
السيد مصطفى ابتدأ بدروس مرحلة السطوح على أيدي السادة العظام: السلطاني، الشيخ محمد جواد الاصفهاني، محمد الصدوقي والشيخ مرتضى الحائري، وفي محاضر هؤلاء الاساتذة درس وتعلم الفقه والاصول. اثناء انشغاله بدراسة الفقه والفلسفة درس (منظومة حكمة السبزواري) على يد آية الله السيد محمد رضا الصدر، وفي نهاية اتمامه دراسة هذا الكتاب وصل الى درجة علمية عالية بحيث أصبح مدرساً في مدرسة حجتيه قم وبعد ذلك درس (الأسفار) وأكمل اطلاعاته الفلسفية في حوزة درس السيد ابي الحسن الرفيعي القزويني والعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي.
الدراسة والتدريس كانا توأمين في حياته، وفي مرحلة السطوح، أصبح متبحراً ذا نظرة علمية في المباحث يملك خزيناً من العلم والفكر والتجربة، وكان ذلك كله تهيئة للولوج في أصعب مراحل الدراسة وهي مرحلة الخارج المؤهلة لدرجة الاجتهاد الذي سار اليه بخطى ثابتة.
السيد مصطفى درس دورة الخارج في حوزة درس آية الله البروجردي والامام الخميني بعد وفاة آية الله البروجردي عام 1967م استمر في دراسته على يد والده الفقيه، وكذلك كان يستفيد من دروس آية الله السيد محمد الداماد. من الذين رافقوه وكانوا معه في هذه المرحلة من الدراسة نستطيع أن نشير الى آية الله شهاب الدين الاشراقي وأية الله الشيخ محمد فاضل اللنكراني.
نتيجة لنبوغه واستعداده العلمي وموفقيته في كل مراحل الدراسة الحوزوية، وبعد خمس سنوات من دخوله الحوزة وفي سن 27 سنة، نال درجة الاجتهاد. اجازة الاجتهاد اُعطيت له من قبل والده الامام الخميني (رض)، ويقول السيد احمد عن اجتهاد اخيه:
المكانة العلمية والاجتهادية (للسيد مصطفى) كانت على درجة عالية وشفافة، وكان متبحراً في علم الفقه، الاصول، الفلسفة، التفسير، الادبيات والمعاني،البيان والكلام، ووصل الى درجة الاجتهاد وعلى الاخص في الفقه والاصول.
التدريس
السيد مصطفى ونتيجة نبوغه ومطالعاته الكثيرة، ومنذ التحاقه بالحوزة العلمية في قم قام بشكل تدريجي بتدريس بعض الدروس. كان عندما يدرس كتاباً فأن له امكانية تدريس ذلك الكتاب. كان ذا ذاكرة قوية ويحفظ بسرعة جزئيات ما ورد في أي كتاب، وكان يحدث أحياناً لم يتم قراءة الكتاب وكان على استعداد لتدريس ذلك الكتاب.
بعد دراسة منظومة حكمة السبزواري في حوزة قم العلمية، قام بتدريس الكتاب لطلاب المدرسة الحجتية في قم. لدى اتمام "الاسفار" قام بتدريسه في حلقات مصغرة من طلاب العلوم الدينية وكتب هامش عليه ايضاً. آية الله الخامنئي في مذكراته يقول في هذا الباب:"كان مُدرّساً معروفاً، يُدرّس الفلسفة، يدرس الفقه وكان من الوجوه البارزة بين طلاب الحوزة الأفضل والأساتذة".
في فترة التبعيد، وبعد الانتقال من تركيا الى العراق وفي النجف الاشرف خصص جزءاً من وقته للتدريس، كان يدرس خارج الاصول واذا ما أخذنا بنظر الاعتبار صغر سنه (لم تتجاوز الثلاثين) فأنه كان امراً غير مسبوق ويشار اليه بالبنان. كان عدد من الافراد لا يعتقدون بذلك وبأنه لا يستطيع الاستمرار حتى النهاية في هذا الدرس. علي اكبر المحتشمي بور يقول في هذا الصدد:
"في النجف كان هناك حدود 12 شخصاً طلبوا من الحاج مصطفى أن يدرسهم "خارج الاصول"وقد قبل الحاج بذلك وكان آنذاك في النجف عدد محدود ومغرور ممن يدرسون هذا الدرس ولا يتصورون أن تكون لغيرهم القدرة على ذلك ولذا فأنهم كانوا يتوقعون أن لا يستطيع الحاج اتمام ذلك، ولكن وكما انهزموا في درس الفقه امام الامام، فأنهم هذه المرة أثبتوا عدم جدارتهم في هذا الدرس ايضاً امام الحاج السيد حسين الخميني نجل الحاج مصطفى يقول بهذا الشأن (تدريس والده):
"في سنة 1346 هـ.ش (1967م) كان عدد من الطلاب البارزين وفضلاء الحوزة في النجف ومن ضمنهم المرحوم حجة الاسلام والمسلمين الحاج الشيخ علي اصغر الطاهري (كني) وحجج الاسلام السادة علي بور،سجادي، شريعتي، روحاني، برقعي و.. وانا ولكون الفراغ الموجود في حوزة النجف في درس اصول الفقه للامام ونظراً للمرتبة العلمية العالية، والسيطرة الكاملة للسيد آية الله السيد مصطفى وتسلطه المتكامل في العلوم والبحوث العقلية وكذلك الفقه والاصول ومعرفته الدقيقة لمباني أفكار الامام وكافة علماء الحوزة القدامى منهم والجدد، قررنا بالاضافة الى حضور دروس الفقه للامام أن نطلب من السيد مصطفى أن يُدرّسنا "خارج الاصول" في النجف وقد استجاب السيد لطلبنا، ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية عمره الشريف والمبارك ولمدة 10 سنوات، درسنا دورة كاملة من اصول الفقه بطريقة تحقيقية جديدة حيث برهنت اكثر فأكثر على تألقه العلمي وكان حصيلة ذلك مجلدات كتاب "تقريرات في الاصول".
التأليفات
السيد مصطفى في أيام اقامته في ايران والتبعيد في تركيا والعراق وعلى الرغم من المشاكل والمسائل المطروحة والتي كانت أغلبها نتيجة لنضال الامام الخميني، كان هو أيضاً في البداية في خضم هذه المشاكل ولكنه استطاع الى جانب الدراسة والتدريس، أن يخطو الخطوة الثالثة الا وهي البحث والتأليف والتحقيق لآثار متعددة.
كان منذ بداية دراسته يتمرن على الكتابة. ويذكر أحد زملائه في هذا المجال:
منذ البداية وفي كل مباحثة كان يدون ما يجلب نظره، سواء في العلوم الأدبية او في علوم الفقه، أو في علوم الاصول والعلوم الفلسفية وكانت له كتابات وتأليفات كثيرة في هذا المجال.
وأن أحد دوافع تحقيق وتدقيق السيد في الكتابة وموفقيته في هذا المجال إضافة إلى نبوغه واستعداده الذهني، المطالعات الواسعة في مختلف العلوم والتي كانت تساعده في مجال التأليف.
وكان استعداده ونبوغه في هذا المجال موضع استحسان الجميع. والذي يلفت النظر ومن خلال تحقيق أفراد السافاك معه بعد تبعيد الامام الى تركيا، كان هذا الاستعداد والنبوغ واضحين في حين كان له من العمر 34 عاماً فقط. فقد ذكرت آثاراً كثيرة كانت من تأليفه او كانت له هوامش وحواشي على ما طالع. تأليفاته نستطيع أن نذكر مؤلفاته كالتالي:
1_ دورة الفلسفة القديمة والتي بقى منها شيئاً مختصراً.
2_ مقدمة على الاسفار، خاصة طبيعيات الاسفار والتي دوّن هوامش عليها كلها.
3_ حاشية على شرح الهداية للملا صدرا الشيرازي.
4_ حاشية على كتاب المبدأ والمعاد للمرحوم السيد ملا صدراي الشيرازي.
5_ حواشي على وسيلة النجاة للمرحوم السيد ابي الحسن الاصفهاني، وحواشي على العروة الوثقى للمرحوم السيد السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي.
6_ مباحث الفاظ الاصول وكافة مباحث عقلية الاصول.
7_ مطابقة الهيئة الجديدة مع هيئة الاسلام النجومية.
8_ حاشية على خاتمة مستدرك المتقين للمرحوم الحاج الميرزا حسين نوري.
9_ كتاب الاجارة.
10_ كتاب الصلاة، لم يكتمل (بقي ناقصاً).
11_ متن الفقه، لم يكتمل.
بعد التبعيد الى تركيا لم يتوقف السيد مصطفى عن المثابرة بالرغم من وجود المشاكل مثل المكتبات والكتب والمصادر التي يحتاجها، في الواقع الحاج السيد مصطفى استغل الفرصة المتاحة له للاستفادة من وجود الامام الخميني والذي كان مراده وأستاذه في كسب المعلومات والاستفاضة منها. في ذلك الوقت وفي بلد غريب ووحيد، عندما ينشغلان بالبحث، مثلما كانا في الحوزة العلمية فأن طريقة بحثهما كانت بشكل مُلفت النظر لمأموري الامن الذين كانوا يعتقدون أن الاب والابن في حالة عراك. حصيلة هذا التوقف الاجباري في تركيا، تأليف الكتاب القيم "تحرير الوسيلة" الذي يصور لنا مدى تبحر الامام في العلوم الفقهية. الحاج السيد مصطفى ألّف ايضاً كتابين هما "الواجبات في الصلاة" و"الفوائد والعوائد".
كتاب آخر للسيد مصطفى ألفه في النجف هو كتاب "الطهارة"، هذا الكتاب في الواقع هو أثر فقهي استدلالي، والذي استنبط منه أن السيد مصطفى اتخذه بعنوان مقدمة وبداية لكتابة مجموعة "تحريرات في الاصول" وقد أعيد طبع الكتاب عام 1997م في جزأين من قبل مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني.
كتاب "البيع" أثر آخر للحاج السيد مصطفى، وهو في ثلاثة أجزاء، ويوجد الجزء الاول منه ومبحث ولاية الفقيه من الجزء الثاني في متناول اليد.
كتاب "الخيارات" للسيد مصطفى لم يكن مصيره افضل من كتاب "البيع"، وكان في 958 صفحة حيث فقد منه 540 صفحة. ومن تاريخ اتمام الكتاب يتضح أن السيد مصطفى في أيام دراسته "الخيارات" عند الامام الخميني قد انشغل بكتابة هذا الكتاب. هذا الكتاب ايضاً قامت مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني بطبعه عام 1997م.
من كتبه الاخرى "المكاسب المحرمة" حيث جاء هذا الكتاب وبهذا الاسم في جملة آثار الحاج مصطفى ولم يبق له أي اثر، وكذلك ليس معلوماً هل كُتب في ايران ام العراق.
"الخلل في الصلاة" من آثاره الاخرى، حيث مُزجت مباحثه بالمباحث الاصولية وهو دليل على تبحر الكاتب في الاصول والفقه. "الحاشية على العروق الوثقى" كتاب آخر في باب الاجتهاد والتقليد وقسم منه يبحث في الطهارة والصوم.
"تحرير العروة الوثقى" كتاب صغير آخر، كُتب على طريقة "العروة الوثقى" للسيد محمد كاظم اليزدي، ويحتوي على فروع وأمثلة كثيرة لا ضرورة لذكرها وبعض موضوعاته مكررة، لذا فقد صمم على تنقية وتهذيب الكتاب.
كتاب "الحاشية على تحرير الوسيلة" كتاب آخر وهو حواشي وتعليقات على كتاب "تحرير الوسيلة" للامام الخميني (رض)، وهو ايضاً كبقية آثار السيد مصطفى ناقص ومتناثر. هذه التعليقات هي حالة شرح واشكالات وهو استدلالي.
كتاب آخر بأسم (كتابنا الكبير) ولكون هذا العنوان قد ذكر مع بقية آثاره فأن الاعتقاد بأنه كان في صدد تأليف كتاب كبير وعظيم في الفقه وحتى زمن شهادته فأنه لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف.
كتاب "مستند تحرير الوسيلة"اعيد طبعه ونشره بجهود مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني في عام 1997م.
"تفسير القرآن الكريم" من آثار السيد مصطفى الباقية، ويذكر أن هذا التفسير لم يكتمل وكان من أول القرآن حتى الآية 46 من سورة البقرة. هذا الكتاب وفي أربعة اجزاء طبعه السيد محمد السجادي في عام 1983م، وفي عام 1997م أعادت مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (رض) طبعه في خمسة أجزاء.
من مؤلفاته الاخرى يمكن الاشارة الى "دراسات في ولاية الفقيه"، "قواعد الحكمية وحاشية وتعليق للأسفار الاربعة لملا صدرا" "القواعد الرجالية"، "حاشية على خاتمة مستدرك الوسائل لميرزا حسين نوري"، "شرح حياة الائمة (ع)" ، و"قضية السيد الحكيم والحكومة العراقية"..
السيد مصطفى الخميني ونهضة 15 خرداد 1342هـ.ش (6/6/1963م)
كان السيد مصطفى على معرفة واطلاع بالفعاليات السياسية بشكل جزئي قبل نهضة الامام الخميني، ولكن هذه الفعاليات لم تكن ملفتة للنظر بحيث تذكر في التقارير. باشر فعالياته السياسية بشكل جدي وفعال بعد عام 1963م وعلى الاخص بعد 6/6/1963 م حيث ورد عالم النهضة بشكل كامل وبقي فيها حتى نهاية عمره المبارك ولم يفارقها لحظة وشارك في جميع فعالياتها وكان اليد اليمنى والمساعد الوفي لقائد النهضة والثورة.
انتفاضة 6/6/63م كانت البداية لأكبر الوقائع ونعني الثورة الاسلامية في تاريخ ايران. إذ أن جذورها كانت ذات صلة وثيقة ببرامج وسياسات الحكومة البهلوية، وفي الواقع فأنها رد الفعل العملي لتلك السياسات والبرامج.
كانت واقعة (15 خرداد 1342هـ.ش 6/6/1963م) في الواقع، استمرار لمعارضة علماء الدين والمراجع للأصلاحات المزيفة وطرق القمع للنظام البهلوي. وقد استغل العلماء أيام العزاء في محرم للتبليغ ضد برامج وسياسات محمد رضا البهلوي وذلك عن طريق اصدار المنشورات التي توضح للناس سياسة النظام، وفي الوقت ذاته فأنها تقربهم من المناضلين وتهيئ اذهانهم لما هو مطلوب منهم مستقبلاً. ولكن النظام لم يقف مكتوف الايدي بل اصدر اوامر الى الوعاظ والروحانيين بأن يتجنبوا في خطبهم ثلاثة أمور: الأول عدم التعرض الى الرجل الاول في البلاد، والثاني عدم ذكر اسرائيل بسوء، والثالث عدم التأكيد على أن الاسلام في خطر. مع كافة تدابير ومساعي السافاك (منظمة الامن) وكافة الافراد والمؤسسات، فأن الروحانيين قد وُفقوا في تجنيد القوى وعلى الخصوص الوعاظ والروحانيون في أيام محرم
تغيير سجن الأمام واستمرار فعاليات السيد مصطفى
في 31/8/1963م نقل الامام الخميني (ره) بواسطة مأموري السافاك (منظمة الأمن) الى منزل في (الداودية) والذي كان يبعد في ذلك الوقت 12 كيلو متراً عن طهران، يعود إلى السافاك. وبعد عدة أيام (احتمالاً 3 أيام) نُقل الى منزل في القيطرية وكان عبارة عن بستان لرضا الروغني، أحد التجار المشهورين والذي كانت له علاقة قرابة مع (حسن باكروان) رئيس السافاك.
بعد هذا التاريخ كان السيد مصطفى في خدمة الأمام واستطاع ايجاد علاقة مباشرة وبدون واسطة مع والده. وخلال مدة اقامته الجبرية المراقبة، استطاع السيد مصطفى من أداء دوره في استمرارية ارتباط الناس والمناضلين بالامام وكان له دوره المؤثر والفعال، وبالرغم من مراقبة السافاك بقي هذا الارتباط ولم ينقطع. وجاء في تقرير للسافاك في هذا المجال: وفقاً للمعلومات الواردة الينا أخيراً، أن نجل آية الله الخميني له اتصالات مع الافراد المتنفذين والمخلصين للدولة، ولكون المشار اليه يستطيع ملاقاة والده، فمن هذه الناحية فهو حلقة الاتصال بين والده والمعارضين للحكومة.
وبعد ذلك فالسيد مصطفى كان الظل لوالده في حله وترحاله ويشارك في كافة المناسبات والاحتفالات وكان يراقب والده بدقة. لكونه الى جانب الامام وملازماً له. كان للتطورات السياسية التي كان يراها عن قرب أثر كبير في نضوجه السياسي، وكان حتى في الوقائع الحساسة والمتأزمة قادر على أن يتخذ القرارات المناسبة ويُدير الازمات المحتملة.
فعاليات ونشاطات السيد مصطفى في تركيا:
السيد مصطفى وفي مدة توقفه في تركيا، كان في خدمة الإمام الخميني (رض). وكانت من عادة الإمام الخميني أنْ لا يطلب شيئاً من مأموري الأمن الأتراك ومأموري السافاك، لذا فإنّه كان من ناحية التغذية في وضع صحيّ رديء. السيد مصطفى استطاع أنْ يتجاوز هذه المشكلة، فقد كان مراقباً لكيفية الغذاء وتهيئته وحتى في بعض الأحيان كان هو الذي يقوم بإعداد الطعام. الإمام الخميني ونظراً للروحية الخاصة التي كان يتحلى بهافإنّه لم يقدم حتى على فتح ستائر الغرفة التي يقيم فيها ولم ينظر يوماً إلى ما كان يحيط بغرفته.
ونظراً للجوِّ الحاكم في تركيا ونظام الحكم العلماني وصعوبة الإتصال بالمناضلين وبالعكس فإنّنا نلاحظ ضعف التحرّك السياسيّ من قبل الإمام والسيد مصطفى وفي الوقت ذاته فإنّ نشاطاتهم العلميّة قد زادت في هذه الفترة.
السيد مصطفى حلقة الوصل والإنسجام بين المناضلين
مصطفى الخميني الذي يترأس القسم التنفيذي من فعاليات الخميني فإنّه بالإضافة إلى هذا كان مسؤول العلاقات خارج العراق، وكان في رحلاته يُشرف على الفعاليات في الخارج.
وطريقته في نشر الأفكار الثوريّة وأفكار وآراء الإمام الخميني (رض) كانت عن طريق الرسائل العمليّة، والمنشورات، والرسائل، والبيانات وتوزيع خطب الإمام الخميني في إيران وسائر البلدان عن طريق شبكة المناضلين.
إن إرشاد أصدقاء الإمام، اغتنام الفرص عن طريق هؤلاء الأصدقاء والتشاور معهم في المواقع الضرورية والمقتضية، إستلام ودفع المساعدات المالية، إستلام الوجوه الشرعية وغيرها، غالباً ما كانت بعهدة السيد مصطفى، ولكن يجب الإشارة أيضاً أنّه كان هناك بعض الأشخاص الذين يقومون بهذه المهمات، ولكن تحت إشراف الإمام وكلُّ هذه الأعمال لم يكن السيد مصطفى لينجزها لوحده. ويصدق هذا أكثر في الأمور الماليّة. وإن الغرض الأساسيّ من رحلات السيد مصطفى المتعدّدة إلى البلدان الإسلامية ومن ضمنها السعودية، وسورية، ولبنان والكويت كان من أجل توثيق العلاقات مع المناضلين المسلمين الإيرانيين ومؤيِّديهم من غير الإيرانيين، وحتى ترويج التدريب على الأسلحة والنضال المسلّح.
لذا فإنَّ السيد مصطفى كان محور النهضة الإسلاميّة بعد الإمام الخمينيّ.
الوفاة الغامضة
موتُ أم إستشهاد؟
انتقل آية الله السيد مطصفى الخميني، في الأول من آبان 1356هـ.ش (9ذي العقدة 1397 هـ.ق) (22/11/1977م)، وعن عمر يناهز الـ 47 عاماً إلى رحمة الله وفي مدينة النجف بشكل مفاجئ وغامض.
وكان النظام الإيراني يرمي من إغتيال السيد مصطفى لتحقيق عدة أهداف، منها توجيه ضربة إلى النهضة الإسلامية، وخلق ضغوطات نفسيّة على الإمام الخمينيّ، الحيلولة دون ظهور خمينيّ آخروهو في مقتبل العمر وذو مقدرة وصلابة، ومنع الحوزة العلميّة في النجف من التدخل في السياسة وبذ الخوف والرعب بين المناضلين والمعارضين.
مع كل هذه الأدلة والشواهد فإن السافاك وفي نشراته الداخلية الخاصة وتقاريره إلى مندوبية في العراق كان يُوحي بأنّ موت السيد مصطفى كان إثر »سكتة قلبية«. وبقيت وفاته تحيطها هالةٍ من الإبهام والغموض وخلقت تساؤلات كثيرة. الطريقة الوحيدة لإثبات موته كان تشريح الجثة غير أن الإمام الخميني بدهائه ونظرته الثاقبة لم يوافق على مسألة التشريح وقال بإنّ مصطفى لا يرجع بمثل هذه الأعمال. زوجة السيد مصطفى في هذا الصدد: لما أرادوا تشريح جثته لم يوافق الإمام على ذلك وقال: إنّ عدداً من الأبرياء سوف يُلقى القبض عليهم، وذلك لا يُرجع إلينا مصطفى. على أية حال، منعت الحكومة العراقية الأطباء التعليق على الوفاة وحتى هدّدوهم إذا ما أقدموا على خلاف ذلك. كل ذلك يؤكد حالة تسمُّم.
وإثر عدم موافقة الإمام على التشريح، صدر أمر تشييعه وتدفينه، ونقل جثمان آية الله السيد مصطفى من النجف إلى كربلاء وبعد تغسيله بماء الفرات وطوافه حول حرم الإمام الحسين (ع) وأخيه أبا الفضل العباس (ع) ارجعوه إلى النجف وفي اليوم التالي (الاثنين 22/11/1977م) وبعد أن طافوا بالجثمان الطاهر حول المرقد الشريف للإمام عليّ (ع)، آية الله الخوئي دفن في الحرم المطهر للإمام عليّ (ع) مجاوراً مقبرة العلامة الحليّ (رض).
ردة فعل الإمام
المرحوم السيد أحمد روى ما يشابه ما رواه السيد البرقعيّ حيث قال:
إثر حادثة وفاة نجاه الذي كان العمود الفقري وأمل النهضة الإسلامية ، أظهر الإمام تصرّفاً عجيباً لم أرَ مثله ويقل نظيره. شكل إستشهاد السيد مصطفى ضربة كبيرةً للإمام وللنهضة الإسلامية، غير أن الإمام الخمينيّ أدخل اليأس في نفوس أعدائه، ولم يفزع ولم يجزع في هذه المصيبة، وقد تأسّى بأولياء الله الذين يلجأون إلى الباري عزّ وجلّ في المصائب الكبيرة، هو أيضاً فعل ذلك.
ردة فعل الإمام الأخرى كانت أثناء مراسم تشييع وتدفين نجله الشهيد. فالإمام أدّى هذه المراسم كغيرها من المراسم التي حضرها بشكلها العادي وبلا شيء يثير الانتباه.. عندما كان سماحته يشارك في أيّة جنازة كان حضوره في الدقائق الخمس الأخيرة من مراسم التشييع ومن ثم وبعد حضوره يكملون المراسم. وفي تشييع جنازة الحاج السيد مصطفى إتّبع نفس الطريقة، ولكن بفارق واحد وهو أنهم كانوا يقولون له عند الإنتهاء من المراسم بأنه متعب ويرجونه أنْ يعود.. ولكنْ في تشييع الحاج السيد مصطفى وعندما وصل إلى مكانه المعتاد فإنّه بدون أنْ يطلب منه أحد من الحاضرين فإنه ودّعهم وذهب.
ردّة فعل الإمام الأخرى أنه لم يبكِ أبداً في مجالس الفاتحة والتعزية مما لفت تصرّفه هذا إنتباه الجميع ودهشتهم. والدة الحاج مصطفى تقول في هذا المجال! »عند وفاة مصطفى فأنا كأمرأة كنتً أصرخ وأبكي، ولكنه كان رجلاً والناس من حوله، كان يقول بين الناس: كنت أريد مصطفى لمستقبل الإسلام ولكنّه في الليل كنتُ أراه يبكي بحرقةٍ. أيمكنُ لأبٍّ أنْ لا يبكي لفقد ولده، وفي الأوقات الأخرى كان لا يفقد رباطة جأشه. ولكنّني كنتُ في الليل ساهرة وأراه كيف كان يبكي. إنّه كان يبكي مصطفى بحرقةٍ«.
على أيّة حال أظهر الإمام الخميني (رض) من الصبر والمقاومة مما أثار إعجاب الأصدقاء والأعداء وحيرتهم فكان درساً لأهل البصيرة.