منزل الامام الخميني
من بين منازل عديدة استأجرها أو اشتراها الامام الخميني خلال فترة إقامته بمدينة قم، يعتبر منزله الواقع في محلة (يخجال قاضي) الاكثر شهرة من بين هذه المنازل ويحظى بزيارة وتفقد الجميع.. اشترى الامام المنزل الواقع في محلة يخجال قاضي في سنة 1335 شمسي تقريباً، وقبل هذا المنزل لم يكن الامام يملك منزلاً في قم. وكان سماحته يقيم في هذا المنزل المتواضع حتى الايام والساعات الأخيرة من وجوده بمدينة قم. وكان قد تم تأمين ثمن شراء هذا المنزل (ثلاثة عشر ألف تومان) الذي تبلغ مساحته ثلاثمائة متر مربع تقريباً، من بيع عقار كان قد ورثه عن أبيه في مدينة خمين. وإثر نفي الامام الى تركيا، ومن ثم انتقال سماحته الى مدينة النجف الاشرف في العراق والتحاق أفراد أسرته به، وضع المنزل تحت تصرف آية الله بسنديده شقيق الامام.
بقي المنزل الواقع في يخجال قاضي، بعد انتصار الثورة وانتقال سماحة الامام الى مدينة قم، بقي في حسرة لقاء صاحبه ومالكه من جديد، لأن الازقة الضيقة التي يقع فيها المنزل لم تكن تستوعب هذا الكم الهائل من عشاق الامام ومحبيه الذين كانوا يتوافدون للقاء سماحته.لأنه بعد وصول الامام الى ايران وانتقاله الى مدينة قم، اقترح المرحوم آية الله اشراقي (صهر الامام) على سماحته أن يقيم في منزله الواقع في الجنوب الشرقي من جسر الحجتية. بيد أن هذا المنزل ايضاً لم يكن يستوعب هذه الاعداد الضخمة التي كانت تتوافد للقاء الامام وتحيته. ولهذا تم اختيار منزل آخر مجاور لمنزل السيد اشراقي وكان يعود الى آية الله محمد يزدي، لإقامة الامام، فيما تم تخصيص منزل السيد الشراقي بمثابة مكتبلسماحة الامام .
القسم الخارجي من منزل يخجال قاضي كان يضم حجرة كبيرة كانت على مدى سنوات مكاناً لاستضافة زوار سماحة الامام و تلامذته .وعلى الرغم من أن هذا المنزل كان يعتبر واسعاً من حيث المساحة مقارنة بمنازل قم الأخرى، إلاّ أنه كان في غاية البساطة وخال من مظاهر الزينة والترف.. أن هذا المنزل البسيط المتواضع، يعتبر نموذجاً لبساطة وعصامية رجل عاش عزيزاً طوال عمره و انتقل الى العالم الآخر بكل اطمئنان .
منزل سماحة الامام الخميني (قدس سرّه) لم يكن مكاناً للسكنى فحسب، وإنما مركزاً لتذليل معاناة الناس، ومقراً للمضي قُدماً بالثورة الاسلامية، ومكتباً للأمور الشرعية والعبادية الخاصة بالناس.. فحيناً يتحول الى فصل للدراسة ، وحيناً قاعدة للثورة، وحيناً يمارس دوره بمثابة مسجداً وحسينية.. فالخطاب التاريخي الذي ألقاه الامام عام 1341 شمسي احتجاجاً على لائحة مجالس الاقاليم والولايات، كان في هذا المكان. وفي العشرين من شهر آذر من نفس السنة جاء رؤساء شرطة وسافاك قم الى منزل الامام، غير ان سماحته واصل إلقاء خطابه المطول للجماهير دون أن يعبأ بوجودهم.. وفي الايام الاولى من عام 1342 شمسي كانت القوات الحكومية تنوي مداهمة مجلس التعزية الذي كان يقام في منزل الامام (قدس سره)، وعندما علم الامام بخبر المؤامرة حذر عن طريق خطيب المجلس بأنه إذا ما تمت مداهمة المجلس والتعرّض الى نظم المنزل، فأنه سوف يعمل على تحريض الناس ضد المخططين والمنفذين لذلك.
آخر خطاب ألقاه سماحة الامام في منزل يخجال قاضي، كان في الرابع من شهر آبان عام 1342 شمسي احتجاجاً على القانون الذي يمنح الاميركيين حصانة قضائية. ففي صباح ذلك اليوم جاءت فئات الشعب المخلفة الى منزل الامام (قدس سره) للاستماع الى خطابه. وكان سماحته قد بدأ خطابه بالقول (إنا لله وإنا اليه راجعون). وفي هذا الخطاب كان قد قال : (أن قلبي يعتصر ألماً... أنا أتألم... لم يعد هناك عيد لإيران.. لقد بدلوا عيد ايران الى مأتم.. لقد باعونا... لقد انتهت عظمة ايران...). وبعد عدة أيام من هذا الخطاب، وفي يوم الثالث عشر من آبان، وإثر مداهمة بيت الامام واعتقال سماحته، تم نفيه الى تركيا.
لاشك لو كان لكل آجر وطوبة من منزل الامام في محلة يخجال قاضي لسان لكانت حدّثتنا عن تهجد الامام وقيامه الليل، وعن الحماس والالتهاب الذي كان يتركه خطابه الناري في النفوس والقلوب.
المدرسة الفيضية
الفيضية اسم مدرسة في قم، ومكان لتربية وتعليم طلاب العلوم الدينية. ونظراً للدور والأهمية الكبرى التي اضطلعت بها هذه المدرسة في تطورات الحوزة العلمية بمدينة قم وفي الثورة الاسلامية في ايران، تعتبر مركزاً لعلماء الدين الشيعة.. لقد اكتسبت المدرسة الفيضية مكانتها وشهرتها نظراً لأنها كانت مكاناً لدراسة وبروز الكثير من الشخصيات العلمية والسياسية الايرانية، وكذلك كونها منطلقاً لأفكار الامام الخميني الثورية.
امضى سماحة الامام في المدرسة الفيضية سنوات طويلة من حياته الدراسية والعلمية متنقلاً بين حجراتها والتدريس في صالاتها. و قد امتزج اسم المدرسة الفيضية والامام الخميني معاً بحيث لايمكن كتابة تاريخ مستقل لكل منهما .
وإبان انتصار الثورة الاسلامية وانتقال الامام الخميني الى مدينة قم، اكتسبت المدرسة الفيضية شهرة عالمية، خاصة وان الكثير من لقاءات الامام الخميني مع الحشود الشعبية كانت تتم في هذه المدرسة. وفي الايام الاولى من انتصار الثورة الاسلامية كانت المدرسة الفيضية تشهد كل يوم حشوداً جماهيرية تقدر بالآلاف. ولذلك تختزن الفيضية بين جنباتها الكثير من الخواطر والذكريات بشأن حبّ واخلاص الشعب الايراني لقائده ومحرره، وكذلك حول فتح ابوابها أمام الطلاب والجماهير المناصرة للثورة الاسلامية.
وفي سنة 1354 شمسي تم أغلاق ابواب المدرسة وتعطيل الدراسة فيها. وبناء على توجيهات الامام الخميني باعادة ترميم أبتها وتوسعتها ، تم تشكيل هيئة تضم في عضويتها مندوبين عن سماحة الامام وآية الله العظمى الكلبايكاني للاشراف على ذلك.
وعندما انتقل سماحة الامام الى مدينة قم سنة 1301 شمسي للإقامة فيها، سكن في احدى حجرات المدرسة الفيضية، وكانت واجهة هذه الحجرة تحمل رقم23، حيث اضحت - حتى سنة 1325 شمسي- مكاناً لمعيشته ومركزاً لنشاطاته العلمية والاجتماعية. كما أن سماحته أقام لبعض الوقت في مدرسة (دار الشفاء).
لما قدم الامام الخميني الى مدينة قم، كان قد مرّ على استقرار آية الله الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري فيها أربعة أشهر. وفي هذه الأثناء كان قد انقضى عشرون ربيعاً من عمر الامام. وبعد سبع سنوات من هذا التاريخ، بدأ الامام حياته الزوجية المشتركة، وترك ورائه المعيشة في حجرات المدرسة، لينتقل للعيش في احضان الحياة الأسرية الدافئة.
كان الحضور في صلاة الجماعة التي تقام بالمدرسة الفيضية، جزءاً من برامج الامام اليومية الثابتة.. وكان يقيم صلاتي الظهر والعصر بأمامة آية الله السيد احمد الزنجاني. وفي صلاتي المغرب والعشاء كان يأتم بآية الله السيد محمد تقي الخوانساري..
أن ارتباط الامام الروحي بالمدرسة الفيضية لم يكن بمعزل عن منزلته العلمية والاجتماعية. وفي هذا الصدد يذكر الامام: في احدى المرات، وفيما كنت متوجهاً الى المدرسة الفيضية، رأيت بعض الطلاب يتناقشون حول كتاب (اسرار الألف عام). وفجأة تبادر الى ذهني: أننا ندرس الاخلاق في وقت نفذت منه مثل هذه الأفكار الى الحوزات العلمية.. ومنذ تلك اللحظة قرر الامام تعطيل دروسه و التفرغ للرد على هذا الكتاب. فكانت حصىلة ذلك تأليف كتاب (كشف الاسرار).
ان من اولى الانشطة الاجتماعية لسماحة الامام الخميني في المدرسة الفيضية، درس الاخلاق الذي كان يقيمه للراغبىن وطلاب العلوم الدينية في سنة 1315 شمسي، وكان ينتقد من خلاله النظام الشاهنشاهي وحكومة رضا خان.
كان الامام يعبّر عن احتجاجه واستنكاره للنظام البهلوي حديث التأسيس بالتلويح والكناية. وشيئاً فشيئاً اخذ نضاله السياسي يتضح ويتبلور... كان سماحته يقيم درس الاخلاق في المدرسة الفيضية يومي الخميس والجمعة. وكان يحضر الدرس جمع كثير من أبناء قم المتدينين فضلاً عن طلاب العلوم الدينية . وكان درس الاخلاق لسماحته يتسم بالجذابية بالنسبة للكثيرين من ذوي العلم. ذلك أن دروس سماحته، وبغض النظر عن أنفاسه الحارة والمؤثرة في طرح النصائح الاخلاقية، كانت تحتوي على الكثير من الملاحظات حول القضايا السياسية – الاجتماعية المعاصرة.
كانت قد مضت ثماني سنوات تقريباً على إقامة الامام لدرس الاخلاق في المدرسة الفيضية ، عندما حاول أزلام السلطة منع سماحته عن مواصلة درسه. وقد حاول الامام نقل درسه - لبعض الوقت- الى مدرسة مله صادق (في شارع جهار مردان)، إلاّ أنه تم تعطيله في النهاية بالكامل.
يقول سماحة الامام حول اوضاع المدرسة الفيضية وتدخل الحكومة في شؤونها وبرامجها الدراسية: ربما هناك ستمائة أو سبعمائة شخص من طلبة العلوم الدينية الذىن يسكنون في المدرسة الفيضية، ليس بوسعهم المكوث في المدرسة في النهار، لذا كانوا يهربون من المدرسة ويلوذون بالبساتين في ضواحي المدينة في النهار ويعودون الى سكناهم في أواخر الليل، لأن أزلام السلطة كانوا يتربصون بهم ويحاولون اعتقالهم.
وبعد شهريور عام 1320 شمسي، وإثر هروب رضا شاه من البلاد، بدأت الفيضية تشهد المزيد من الانشطة الجادة والمكثفة لسماحة الامام ضد النظام البهلوي. وفي 29اسفند عام 1341 شمسي، ألقى الامام خطاباً في المسجد الاعظم بمدينة قم أدان فيه مهاجمة أزلام الشاه للمدرسة الفيضية في الثلاثين من بهمن من نفس العام، قائلاً : هل نلتزم الصمت ولاننطق بكلمة، في الوقت الذي يقوم فيه هؤلاء الجلاوزة بمهاجمة المدرسة الفيضية وتحطيم الابواب والنوافذ وضرب الطلاب وشتمهم؟.
وفي فروردين عام 1342 شمسي شنت القوات الحكومية هجومها الثاني على المدرسة الفيضية. غير أن خطابات الامام الرافضة والمستنكرة للائحة الاقاليم والمدن، وإتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، كانت قد جعلت من المدرسة الفيضية بؤرة ومحوراً للثورة الاسلامية. وبعد مرور أربعين يوماً على حادث مهاجمة المدرسة الفيضية وقتل الطلاب، أصدر الامام الخميني بيانه الثاني الذي اعتبر فيه الشاه شخصياً المسؤول الاول عن هذه الاعتداءات وانتهاك الحرمات.
وفي عاشوراء من نفس العام (شهران ونصف بعد الهجوم على المدرسة الفيضية) شهدت المدرسة الفيضية خطاباً آخر للامام الخميني. أُلقي هذا الخطاب في 13خرداد عام 1342 شمسي، و كان وراء اندلاع احداث الخامس عشر من خرداد الدامية. ونظراً لإحتلال المدرسة الفيضية موقعها في صلب النضال السياسي والانشطة الاجتماعية للامام الخميني، لذا كان النظام ينظر اليها بمثابة ملاذاً للثوار وحماة الثورة.
وفي خرداد1354 شمسي، وإثر تنظيم مسيرة حاشدة أقيمت في المدرسة الفيضية احياءً لذكرى شهداء الخامس عشر من خرداد، أقدم النظام الشاهنشاهي على اغلاق المدرسة الفيضية، واستمر اغلاقها حتى انتصار الثورة الاسلامية.
مدرسة دار الشفاء
من المدارس العلمية الأخرى التي تقع الى جوار المرقد الطاهر للسيدة معصومة (عليها السلام) و المدرسة الفيضية في قم، مدرسة دار الشفاء، التي تم هدمها بالكامل بعد انتصار الثورة الاسلامية وإعادة بنائها بشكل جميل و رائع. وتضم المدرسة في الوقت الحاضر مقر ادارة الحوزة العلمية بمدينة قم..
كانت هذه المدرسة مسكناً ومأوى لسماحة الامام الخميني لفترة طويلة. فمنذ أن قرر الامام الاقامة في مدينة قم والحضور في المدرسة الفيضية، كان في البداية يقيم في حجرة مشتركة، وبعد اكثر من محاولة عثر مؤخراً على الحجرة التي كان يبحث عنها في مدرسة دار الشفاء. وكانت هذه الحجرة محل تجمع الاصدقاء والاحبة لسنوات طويلة.
ان اهتمام الامام وتعلقه الخاص بالمدرسة الفيضية ومدرسة دار الشفاء، يعود لأسباب كثيرة منها الدور الذي لعبته هاتان المدرستان في حياته العلمية وتربيته المعنوية. إذ أنه كان قد قدم الى مدينة قم سنة1301 شمسي، حيث أقامة في المدرسة الفيضية لبعض الوقت، ومن ثم انتقل للسكن في مدرسة دار الشفاء بحثاً عن مكان اكثر هدوءاً وصفاءً.
استمرت اقامة الامام في مدرسة دار الشفاء حتى عام 1308 شمسي، وإثر إعادة تجديد بناء المدرسة احتفظت الحجرة باسم (حجرة الامام الخميني).
اشتهرت مدرسة دار الشفاء في العهد الصفوي باسم (صحن شاه قلي). وفي العهد القاجاري إتخذت اسم (مدرسة فتح علي شاه). وفي سنة 1307للهجرة تم تجديد المبنى بتوجيه من كامران ميرزا – الامير القاجاري- وتحويله الى مشفى اطلق عليه اسم (دارالشفاء). وإثر وفاة كامران ميرزا، انتقل المبنى بالتدريج من حالة المدرسة والمشفى، ليتحول جانب كبير منه الى مقهى ومتاجر وبيوت سكنية وعنابر لأصحاب المتاجر.
وبعد ذلك حاول المرحوم آية الله محمد فيض استرجاع حجرات المدرسة الواحدة تلو الأخرى من أيدي الغاصبين وإعادتها الى حالتها الاصلية. كما اهتم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري بترميم المدرسة وتوسعتها. وبعد ذلك عمل المرحوم الحاج ميرزا محمد علي توتون فروش، احد التجار الأخيار في قم، على تشييد حجرات جديدة في الطابق الثاني من المدرسة.
وفي عام 1335 شمسي أقدم المرحوم آية الله البروجردي على شراء عدد من المنازل في الجانب الشرقي من المدرسة من أصحابها، وقام بتشيد العديد من الحجرات في الجانب الجنوبي والشرقي من المدرسة، ومن ثم أضيف لها 26 حجرة. وفي عام 1349 شمسي، كان في مدرسة دارالشفاء 60 حجرة و120 طالباً.
ومع انتصار الثورة الاسلامية في ايران، دخلت مدرسة دار الشفاء عصراً جديداً، وكان من اولى توجيهات الامام الخميني الثورية، افتتاح مدرسة دارالشفاء وإعادة رونقها وإزدهارها. وبناء على ذلك تم تشكيل هيئة مكونة من مندوبين عن الامام الخميني ومندوبين عن آية الله الكلبايكاني، تأخذ على عاتقها مهمة الاشراف على تجديد بناء المدرسة وإعادة فتح ابوابها لبدء نشاطها من جديد . ولدى إندلاع الحرب المفروضة وتصعيد المواجهة بين ايران والعراق في المناطق الحدودية، وضعت مدرسة دارالشفاء طوال عام تقريباً تحت تصرف مشردي الحرب وإسكانهم. وبعد ذلك أعيد بناء المدرسة من قبل الخيرين في أربعة أدوار، واستمر البناء حتى عام 1371شمسي.
كانت حجرة الامام الخميني في الطابق الثاني من المدرسة، مكاناً لدروس وأبحاث سماحته، حيث كان يدّرس كتاب (المكاسب) للشيخ الانصاري وكتاب( المنظومة) للحاج مله هادي السبزواري في هذه الحجرة لعدد من الطلاب الافاضل بمدينة قم. وبعد الانتهاء من تدريس المكاسب والمنظومة، كان ينتقل سماحته الى المدرسة الفيضية لتدريس (الاسفار).
وفضلاً عن كونها مكاناً للدرس والبحوث العلمية، كانت حجرة الامام الخميني في مدرسة دار الشفاء محلاً للابحاث والتحاليل السياسية أيضاً، وفي هذا الصدد شهدت حجرة الامام الكثير من الجلسات التي كرست لمناقشة الاوضاع السياسية والاجتماعية في ايران وقضايا العالم الاسلامي.
وخلال أحداث الخامس عشر من خرداد عام 1354 شمسي، بادر طلاب مدرسة دار الشفاء جنباً الى جنب مع طلاب المدرسة الفيضية، الى إقامة حفل تأبيني لشهداء الخامس عشر من خرداد عام 1342 شمسي، مما دفع القوات الحكومية الى مهاجمة الحفل في غاية الوحشية، حيث أوغلوا في ضرب وشتم الحاضرين واعتقال العديد منهم ونقلهم الى ثكنة عسكرية، ومن ثم إغلاق ابواب المدرسة حتى انتصار الثورة الاسلامية.
ومما جاء في البيان الذي أصدره الامام الخميني بمناسبة هذا الهجوم الوحشي الجبان: ان وعي الجامعيين القدماء والجدد دفع بهم الى تنظيم مسيرات إحتفاءً بذكرى الخامس عشر من خرداد يوم انتفاضة الشعب في انحاء البلاد، مما أصاب الشاه بالدوار ودفعه لإصدار اوامره بمهاجمة المدرسة الفيضية ومدرسة دار الشفاء - مهد التربية الاسلامية وبؤرة الانفجار ضد الظلم والاستبداد - والإيغال في ضرب وشتم الطلاب الدارسين للقرأن و الاسلام ، متهماً إياهم بالماركسية، ومن ثم سوقهم الى المعتقلات و الثكنات العسكرية، حيث لم يعرف مصيرهم.
مسجد سلماسي
من الأماكن التي إقترن إسمها بإسم الامام الخميني مسجد سلماسي، إذ قلما تجد من يسمع باسم هذا المسجد ولايستحضر مرحلة تدريس الامام فيه. لقد كان مسجد سلماسي على مدى سنوات طويلة مكاناً لتدريس الامام الخميني الفقه والاصول للكثير من الطلاب والافاضل بمدينة قم. ولهذا إقترن إسم هذا المسجد بتاريخ الثورة ونهضة الامام الخميني، ويعتبر احدى قواعد الثورة.
تبرع بأرض المسجد الحاج محمد أقا زاده احد تجار مدينة قم المعروفين. ومن ثم أخذ المرحوم الحاج يحيى سلماسي، أحد أبناء مدينة سلماس الأبرار، مهمة بناء المسجد وتشييده بالصورة التي هو عليه الأن. كما قام ببناء مخزن للمياه تحت المسجد لتوفير احتياجات المسجد وأبناء المنطقة من المياه. وتشير الكتيبة الموجودة في اعلى بوابة المسجد بأن بناء المسجد كان في سنة 1366 للهجرة.
يقع مسجد سلماسي في نهاية زقاق أقازاده، ويطل ضلعه الغربي على زقاق آخر. ويمتاز مسجد سلماسي ببساطة بنائه وتواضعه. ولم يشهد المسجد اي ترميم منذ بداية بنائه وحتى عام1380 شمسي، حيث أمر سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد حسن الخميني – حفيد الامام – بترميمه وتجديد بنائه. وتشير الكتيبة الموجودة على جدار المسجد وخزان المياه، بأنهما من موقوفات الروضة المقدسة للسيدة المعصومة.
إبتدأت شهرة مسجد سلماسي منذ اليوم الذي نقل الامام الخميني دروسه الى هذا المسجد. وفي هذا الصدد يذكر أحد تلامذة الامام: في البداية كان الامام يلقي دروسه في مسجد صغير بالقرب من صحن السيدة معصومة. ونظراً لأن المكان كان ضيقاً والتلاميذ كانوا كثر، لذا تم اقتراح مكان آخر للدرس، فأختار الامام مسجد سلماسي. ولكن هذا المسجد أيضاً لم يكن يتسع للعدد الكبير من الدراسين. واخيراً، وباصرار من السيد نصرالله خلخالي، وافق الامام على نقل مكان درسه الى المسجد الاعظم.
كان الامام يقيم دروسه في مسجد سلماسي كل يوم في الصباح و العصر. ومع انتهاء الدرس تخرج جموع الطلاب من المسجد فيكتظ الزقاق والشارع المشرف على المسجد، برجال الدين و بالاجواء المعنوية-الروحانية.
كان مسجد سلماسي يحظى بحرمة خاصة لدى الامام الخميني، وكان يخلع نعليه خارج المسجد ويدخله، ومن ثم لا يحتذيه إلا بعد الخروج من المسجد. وتشير احدى الخواطر والذكريات الخاصة بهذا المسجد، الى سمو تعامل الامام مع الناس وخلقه الرفيع.. ان برودة الشتاء وسجاد المسجد القديم الوسخ، كانت تصعّب من مهمة التدريس في المسجد الى حدكبير. وفي احد الايام دخل الامام المسجد، فرأى أن الطلبة فرشوا له عباءة الصوف ليجلس عليها. غير أن الامام أزال العباءة وجلس، وقال: أنا أريد أن نجلس جميعاً على هذه السجادة ونكون سواسية.
شهد مسجد سلماسي بمدينة قم أفضل أيامه عندما كان يستضيف مئات الطلاب الافاضل المتعطشين لعلوم الدين. فمن بين اربعة آلاف طالب يدرسون في الحوزة العلمية بقم، كان ثمانمائة دارس يحضر دروس الامام. واضافة الى فناء المسجد الذي كان يكتظ بالدارسين، كانت السلالم تزدحم ايضاً بالذين كانوا يعتبرون حضورهم درس الامام واجباً بالنسبة لهم.
مسجد الامام الحسن(ع)
من الاماكن التي ترتبط بسماحة الامام بنحو ما مسجد الامام الحسن (ع). فبعد عودة الامام الخميني من المنفى وانتصار الثورة الاسلامية، وأثناء وصوله الى مدينة قم، أقيم لسماحته استقبالاً جماهيرياً حاشداً، وقد توجه سماحته الى هذا المسجد وإلتقى كبار مراجع الدين في قم. لقد شهد هذا المسجد اول لقاء رسمي لسماحة الامام مع كبار العلماء والمراجع منذ احداث الخامس عشر من خرداد ومرحلة النفي خارج الوطن.
مسجد قرية كاج و محمد آباد
لم يكن سماحة الامام يهتم كثيراً بتشييد الأبنية وتزيين المساجد والتكايا. وكان يؤمن بأن إعمار المسجد الذي أمر الله تعالى به يتجلى من خلال تربية المصلي وليس تشييد المصلى، ولهذا بذل سماحته كل ما بوسعه لإرشاد الناس واعداد المجتمع الرباني. وقد تحدثت الخواطر والذكريات التي دوّنها الاصحاب عن أن سماحته لم يأذن لأحد بأن ينفق من الاموال الشرعية على بناء مسجد وأمثال ذلك، وكان يقول: ان وجود المسجد يعتبر من احتياجات الناس العامة وينبغي للناس أنفسهم أن يقوموا ببناء المسجد، لا أن تنفق الاموال الشرعية على ذلك . ولهذا قلما كان الامام يشارك في مراسم وضع حجر الأساس أو افتتاح أبنية من هذا القبيل. ولكن ثمة مسجداً كان مستثنى عن ذلك، وقد حضر سماحة الامام مراسم وضع حجر الأساس لبنائه.
وللتعرف على تفاصيل ذلك يستحسن أن نستمع الى آية الله محمد مؤمن عضو فقهاء مجلس صيانة الدستور، الذي كان حاضراً الواقعة: الخاطرة التي أريد أن أذكرها لكم ربما قلما شهدها أحد.. أن أحد اصدقائي، الذي كان هو الآخر من تلامذة سماحة الامام ايضاً، كان منشغلاً بالتبليغ الديني في احدى القرى القريبة من مدينة قم، ولهذا كان يذهب الى هذه القرية باستمرار.. كان ابناء هذه القرية بحاجة الى مسجد، وعندما دار الحديث بين الناس عن تشييد المسجد، تطوع إثنان من الذين يمتلكون الارض و يتمتعون بالقدرة المالية، بأن يأخذوا على عاتقهم مهمة تنفيذ ذلك. وكان هذان الرجلان من مقلدي سماحة الامام، لهذا كان لهما شرط، إذ إشترطوا بأنهم سوف يخصصون الاموال اللازمة لذلك إذ ما وافق سماحة الامام على الحضور و وضع حجر الاساس للمسجد. فقام عالم الدين بعرض الموضوع على سماحة الامام عن طريق صهره المحترم آية الله اشراقي. فكان رد الامام: أنا لست من يفعل ذلك.
و الحقيقة أن القرية كانت بحاجة الى وجود المسجد، ولايوجد خيار آخر لبناء المسجد غير الحصول على مساعدة هذين الشخصين المتمولين والمالكين للارض. لذا حاول صديقنا العزيز التحدث ثانية الى آية الله اشراقي، متسائلاً: ما الذي نفعل؟ وكيف نتصرف؟. فردّ عليه آية الله أشراقي بالقول: إن ما يدفع الامام للموافقة هو الواجب الشرعي. فاذا ما تم توضيح القضية له وشعر بالمسؤولية و أنه ينبغي له أن يذهب، سوف يأتي دون شك.
وبناء على ذلك ذهب وجهاء القرية الى عند الامام وأوضحوا لسماحته ظروف القرية وحاجتها الى المسجد، واستعداد المالكين للتبرع بالارض و المساعدة ولفتوا نظره الى شرطهم. واخيراً وافق الامام على المشاركة في وضع حجر الأساس للمسجد.
تم تجهيز سيارتين، وكنت أنا برفقة سماحة الامام في هذه الرحلة، وكان المقصد هو قرية تقع على جادة طهران تدعى كاج ومحمدآباد.. كان في هذه القرية مسجد قديم لايليق، وقد تقرر تشييد مسجد كبير يتسع لأبناء القرية باعتباره داراً للعبادة.
لما وصل الامام الى القرية توجه الى المسجد القديم ووضع حجر الاساس للمسجد الذي تقرر بناؤه. وبعد إنتهاء مراسم الاحتفاء بوضع حجر الاساس، نهض الامام للخروج، وفي هذه الأثناء توجه صوب شاب كان يجلس الى جواري، و وقف أمامه لحظة ثم قال له شيئاً بصوت خافت..لا أتذكر الآن بأني سمعت ما قال له الامام أو أني سألت الشاب عن ذلك.على أية حال الامام قال لذلك الشاب: ان هذا الخاتم الذي في اصبعك إذا كان من الذهب إخلعه.
المسجد الاعظم
من الاماكن التي تنتسب الى سماحة الامام الخميني بنحو ما وإمتزج إسمها بإسم الامام و اكتسبت شهرة خاصة، المسجد الأعظم في قم. المسجد الذي يحمل اسماً على مسمى ويتسم بمفاخر العمارة الاسلامية في العصر الحديث، وقد تم بناؤه بهمة المرحوم آية الله العظمى السيد البروجردي وفي فترة زعامته الدينية.
يعتبر المسجد الاعظم، الذي يقع الى جوار صحن السيدة معصومة، احد اكثر مساجد هذا العصر ازدحاماً بالمراجعين. فقلما ترى يوماً على مدار السنة، أن هذا المسجد خالياً من الدراسين وطلبة العلوم الدينية. وفي السنوات الأخيرة من وجود الامام في مدينة قم، وأثناء تزايد تلامذة سماحته بشكل ملفت، وفي ظل اصرار الآخرين، قرر الامام أن يكون مكان درسه في هذا المسجد. وقد ألقى سماحته عدداً من خطاباته الهامة في هذا المسجد اىضاً. كما أن المسجد شهد طوال مرحلة النضال والثورة الكثير من الاجتماعات والخطابات الهامة.
مسجد محمدية
المكان الآخر الذي اكتسب شهرته بسبب اقترانه باسم الامام، هو مسجد محمدية الذي يقع بالقرب من صحن السيدة معصومة(س)، حيث كان المسجد مكاناً لدرس الامام لسنوات عدىدة، ولما ازداد عدد تلامذته نقل درسه الى مسجد سلماسي. وفي هذا الصدد يقول آية الله واعظ زاده خراساني: ان درس سماحة الامام الخميني في بحث خارج الاصول، كان بطلب من السيد مطهري وآخرين. وكان موضوع الدرس: الأدلة العقلية للجزء الثاني من كفاية الاصول. وكنت قد سألت آية الله مطهري: هل هذا الدرس لأشخاص معينين، أم أن بوسع الآخرين المشاركة فيه؟ فقال: كلا، ليس درساً خاصاً. وكان الدرس قد وصل الى بحث الاستصحاب عند ما بدأت المشاركة فيه، واستمر الدرس لمدة سنتين تقريباً.. كان الدرس أول دورة لبحث خارج الاصول لسماحة الامام، وكان يشارك فيه اضافة للسيد مطهري عشرة أشخاص آخرين تقريباً، منهم الحاج الشيخ ابراهيم الاميني والشيخ جواد خندق آبادي.
كان الدرس يقام بشكل منتظم في مسجد زقاق الحرم الواقع في شارع الامام، وكان يبدأ قبل ساعة ونصف من الغروب وينتهي بعد ثلاثة أرباع الساعة. وكان سماحة الامام يحضر مع جميع تلامذته بشكل جماعي، درس اصول استاذ الحوزة الاول والمرجع الكبير آية الله العظمى البروجردي في المدرسة الفيضية أو مسجد عشق علي. وحسبما أتذكر، كان سماحة الامام يحضر هذا الدرس حتى الايام الأخيرة من حياة المرحوم البروجردي. في حين أن سماحته هو نفسه كان يدرس الفقه والاصول لأربعمائة أو خمسمائة شخص، وكانت دروسه تعد من اكثر دروس الحوزة رونقاً و حضوراً، وكانت دروسه تستقطب اكثر الطلبة الشباب استعداداً و تفتحاً. وكل ذلك وليد التواضع العلمي الذي يختص بالفقهاء والعلماء الربانيين.
وفي السياق نفسه يشير المرحوم آية الله يثربي، امام جمعة كاشان، في مذكراته، الى درس الامام موضحاً: كان الدرس يقام في احد المساجد القريبة من الصحن، وكان لدى الامام عدداً خاصاً من التلاميذ. ولا زلت أتذكر جيداً، أن المرحوم الشهيد الاستاذ مطهري والمرحوم الشهيد بهشتي وعدة آخرين كانوا يحضرون الدرس. وعندما كنا نمرّ من هناك كانت اصوات البحث والمناقشات تسمع بوضوح. حيث كانت روحية الاعتراض والنقاش سائدة في اوساط التلاميذ. وفي المقابل كان سماحته استاذاً مرموقاً، حيث كان يرد على اسئلتهم بكل رحابة صدر، وكأن الاصوات لازالت ترن في مسامعي.. كانت دروس الامام عميقة للغاية، وكانت تطرح باسلوب بسيط في الوقت نفسه كي تكون مفهومة لدى الجميع، وطبعاً كانت ممتعة بالنسبة لتلامذته.. كان سماحته ينقل وجهات نظر الأساتذة الآخرين ويعلق عليها أو ينتقدها، ومن ثم يطرح وجهة نظره.
مسجد الامام الحسن العسكري
المكان الآخر الذي ينتسب الى سماحة الامام بنحو ما هو مسجد الامام الحسن العسكري(ع) .. ينسب هذا المسجد الى الامام الحسن العسكري (ع)، ويقع في نهاية شارع الآستانة، وكان مكان دروس المرحوم آية الله الحاج السيد محمد تقي الخوانساري. وان سماحة الامام كان يحضر دروس آية الله الخوانساري لسنوات عديدة.
عندما كان آية الله الخوانساري يدرّس مبحث صلاة الجمعة، توصل الى نتيجة مفادها أن إقامة صلاة الجمعة تعتبر واجبة في زمن الغيبة، وقد بادر الى إقامة صلاة الجمعة في هذا المسجد، واستمرت إقامة هذه الصلاة حتى انتصار الثورة الاسلامية. وبعد وفاة آية الله الخوانساري أخذ المرحوم آية الله العظمى الأراكي على عاتقه مهمة إقامة هذه الصلاة. وان سماحة الامام الذي كان يحضر دروس المرحوم السيد محمد تقي الخوانساري آنذاك، كان يشارك في صلاة الجمعة بامامة الخوانساري.