في الوقت الذي يعتبر فيه الامام الخميني (قدس سره)، الطب و التمريض من الواجبات الاجتماعية، يشير ايضا، الى ان تلك (المهنة)، شريفة جدا و عبادة، و بالطبع ذات مسؤولية. حسب رؤية قائد الثورة المعظم (قدس سره)، انه من الاهمية لهذه الشريحة المثقفة، اولا، هو خدمة عباد الله تعالى، بمحبة و ملائمة ... لتصبح الخدمة مرفقة باجر الهي. للتمعن بكلمات سماحة الامام الخميني (قدس سره)، نلفت انتباهك، ايها المخاطب العزيز، الى مقتطفات من كلمة لسماحته:
الإنسان حر في اختيار المهن وفي سائر تصرفاته. لقد خُلق حراً. ومنح الحرية في الإسلام. لكن الناس أنفسهم مختلفون في اختيار المشاغل. وهذا الاختلاف يرجع إلى اختلافاتهم النفسية واخلاقهم الباطنية. أحدهم يختار ممارسة السرقة. وأحدهم يختار لنفسه النهب شغلًا، وأحدهم يختار شغل بيع الهيروئين وبيع المخدرات وما إلى ذلك. هذه الاختيارات اختيارات حرة تنبثق من نفسية الأشخاص. نفوس البشر مختلفة في هذا بحسب الخلقة، وبحسب التربية في البيئة أيضاً هناك اختلافات عديدة تؤدي الى اختلاف أنواع التربية. في بيئة معينة ترون أن التربية تربية لا إنسانية ولا أخلاقية، وفي بيئة ترون أن التربية إنسانية.
من المهن المقدسة جداً مهنة الطبابة. ولو عمل الأطباء بتكاليفهم الإنسانية، فهي مهنة شريفة ومن العبادات. وكذلك التمريض. مهنة التمريض هذه من المهن الشريفة جداً. فلو عمل الإنسان بواجباته الإنسانية والشرعية كانت عبادةً في مصاف عبادات الدرجة الأولى، ولها مسؤولياتها طبعاً. سواء الأطباء أو الممرضات أو باقي الشرائح العاملة في المستشفيات، هناك مسؤوليات كبرى على عواتقهم. لا يقدم الأطباء على هذه الخدمة من أجل المال والمنال، بل ليخدموا، ولتكن غايتهم خدمة عباد الله، لتكون مهنتهم عبادة. والمنافع التي يحصلون عليها، يحصلون عليها من هذه العبادة. اما إذا كانت لهم انحرافاتهم لا سمح الله ووصلت انحرافاتهم أحياناً إلى درجة يعرضون فيها أرواح الناس للخطر، فهؤلاء مجرمون. نظير تلك الجرائم التي كان يرتكبها رجال السافاك أو أسوء. وكذلك الممرضون. تمريض المريض عملية صعبة جداً، لكنها قيّمة جداً. على الإنسان أن يراعي حال المريض بمحبة وأخوة، وليكن هذا من أجل أداء واجب إنساني-- إلهي، وكواحدة من أجلِّ العبادات.
اعلموا أن مهنتكم مهنة شريفة جداً، ومن ناحية أخرى فإن مسؤوليتها كبيرة أيضاً. تستطيعون أنتم أنفسكم أن تتحملوا مسؤوليتها من خلال التلطف مع المرضى. أنهم بحاجة إلى المحبة قبل حاجتهم إلى الدواء. المريض الذي خرج من بيته إلى المستشفى، يرى نفسه غريباً. إذا عامله الممرضون بلطف وسلوك إنساني ومحبة ومثل الأخ أو الأخت، يزول عنه الشعور بالغربة ويشعر بالسكينة، وهذه السكينة الروحية تساعد في شفائه، أنها تساعد الأطباء وتساعد الممرضين في مهماتهم.
عليكم أن لا تدنّسوا هذه المهنة بالاعتبارات المادية والدنيوية لا سمح الله. فتكونوا قد عملتم من دون أن تصيبوا الأجر الإلهي. اعملوا بحيث تكون مهنتكم مهنة إلهية واعملوا في سبيل الله. ولا تناقض في أن تكون لله وأن يمنحكم الناس أجوراً عليها. هذان أمران لا يتناقضان. لاحظوا أن تعاملوا هؤلاء المرضى بسلوك حسن. ساعدوهم. وطيّبوا خواطرهم فإنهم مكتئبون، ينبغي تطييب خواطرهم. مهنتكم هذه من أعظم المهن قيمة.
لكننا نرى أفراداً آخرين في هذه الدنيا يختارون مهناً سيئة. فمثلًا لاحظوا في كردستان أن جماعة من الناس يتبعون الأجانب ويخونون بلادهم، ويخونون أبناء وطنهم، يشكلون العصابات لإيذاء الناس. ولاحظتم خلال هذه المدة ما الذي ارتكبوه من جرائم ونهبٍ ضد الذين يزعمون الدفاع عنهم، يزعمون الدفاع عن الشعب ومناصرته ولكن يذهبون ويحرقون بيادرهم ويهدمون بيوتهم. والآن وقد انهزموا، بدءوا بإيذاء الناس ونهب أموالهم وارتكاب رذائل أخرى.
وهناك شخص آخر يختار لنفسه مهنة الحرس. وواحد يختار لنفسه مهنة الدرك. وواحد يختار شغل الجيش. ولو عمل هؤلاء بواجباتهم الإنسانية، باعتبارهم خدمة الإسلام وخدمة البلاد الإسلامية وحراس الوطن، لكانت مشاغلهم عبادة. وإذا قتلوا لا سمح الله لكان شهادة في سبيل الله. الذين قتلوا في كردستان وهم كثر للأسف، من حرس الثورة، والدرك، والجيش، ومن سائر الناس، هذا مؤسف جداً بالنسبة لي أن تبتعد جماعة عن الإنسانية وتتعامل بهذه الطريقة مع جماعة جاءت لحمايتهم ولحماية بلدهم ومع الحرس الذين جاؤوا لحماية مدينتهم ولحماية بلادهم. أنهم في الوقت الذي يقولون انهم يريدون التعاون مع الجيش والتوجه إلى الحدود لحمايتها، لا يفتحون الطريق لهذا الجيش كي يتوجه إلى الحدود المهددة بالخطر. أيّة جماعة هذه؟ كم ينبغي أن يأسف المرء لأناس تربّوا بهذه الطريقة وابتعدوا عن الإنسانية إلى هذه الدرجة، وتوحشوا بحيث لا تنفع معهم أيّة نصيحة. لقد نصحتهم منذ البداية وأوصيت الجيش، أوصيت رؤساء الجيش، وقادة الدرك أن عاملوهم بطريقة سلمية ولا تعاملوهم بعنف. وعموماً كان الرأي هو أن في تلك المناطق أناس أبرياء على كل حال.
ولكن حينما كفّ عنهم الدرك والجيش والحرس بعض الشيء، هاجموهم؛ يحاولون دائماً خداع الجانب الآخر. أنهم دائماً يحاولون فتح الطريق للأجانب. يفتحون الطريق لأمريكا أو السوفيت. لا فرق بينهما. أية جماعة هذه؟ إنني آسف لانحطاط الإنسان إلى هذه الدرجة. ويتسم بالخبث إلى حد خلق مثل هذه المتاعب واجتراح مثل هذا التخريب لأبناء بلده ودينه، ويحاول وضع البلاد في مهب الرياح، وتسليمها في أيدي أعداء الإسلام وأعداء إيران. إنني آسف عليهم لماذا لا يكونون بشراً.
وأسفي الآخر لهؤلاء القتلى، لهؤلاء الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الإسلام وعددهم كبير جداً. في كردستان وفي المناطق الأخرى عددهم كبير جداً. يبلغنا كل يوم مقتل فلان في المكان الفلاني، ومقتل كذا عدد هنا، وكذا عدد هناك. وهذا أمر مؤسف من ناحية، ومدعاة للمباهاة من ناحية أخرى. هذه النهضة الإسلامية خلقت مثل هذه التحول في نفوس أفراد لم يكونوا أصلًا على صلة بشؤون القتال، تحولوا فجأة وصاروا محاربين وصاروا مضحين في سبيل الإسلام واستشهدوا. وأنا في الوقت الذي آسف على هؤلاء الأعزاء الذين فقدناهم، فإنني أفتخر وأباهي بالتحول الذي حصل لهم. وقد عملوا والحمد لله بواجباتهم الشرعية والدينية وضحّوا بأرواحهم في سبيل الله. وسيمنُّ الله تبارك وتعالى عليهم بكل ما يريدون في العالم الآخر؛ لأنهم جادوا بكل ما يملكون، وسيمنحهم الله كل ما يريدون.
وأعود ثانية إليكم ايتها الاخوات والحضور الأعزاء، وادعوكم أن تراعوا في محيط عملكم الأحكام الإسلامية. البلاد إسلامية، إنها جمهورية إسلامية وينبغي أن يحصل التحول في كل شؤونها. وكما أرى فقد حصل تحول روحي لديكم، كذلك ينبغي حصول تحول كبير في الأعمال أيضاً. وأن لا تكون هناك مخالفات للموازين الإلهية، ويكون التعامل بالرحمة والعطف مع مرؤوسيكم، سواء الأطباء أو الممرضات أو سائر الشرائح التي تقدم الخدمات هناك. خدماتكم خدمات قيمة جداً. خدمات صعبة. التمريض، الطبابة، كلاهما صعب، ولكنه عمل نبيل جداً. وأنا أدعو لكم جميعاً. والذي أستطيعه هو أن أدعو لمرضاكم ليكون ذلك مساعدةً لكم. وادعو لكم أيضاً وادعو للأطباء أيضاً وادعو لكل أهالي بلادنا العزيزة. ليَمُنّ الله عليكم جميعاً بالسعادة والسلامة والرفاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(صحيفة الامام، ج12، ص239-241)