قالوا كثيراً، بل وأكثر مما يجب عن الثورة الإسلامية المباركة، وسر انتصارها، وكيف يقوم شعب اعزل، بالأطاحة بحكم ملكي، ظلّ جاثما على رقاب الناس لمدة 2500 عام! وكيف انتصر الشعب، باتحاده ومثابرته وصبره وتضحياته، على خامس جيوش العالم من حيث القدرة والتسليح واسناد القوى الكبرى، شرقية وغربية وحتى بعض الدول الأسلامية! لقد كان ذلك بفضل الله تعالى اولاً وبالقيادة الحكيمة الفذة للأمام (قدس سره) وبوحدته وانسجامه، ثانياً وذلك، ماصرح به ووضّحه سماحته، في خطابه، عند لقائه بالجامعيين والايرانيين، خارج البلاد،حيث قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن أتحدث للسادة ببعض الكلمات يجب عليّ أن أقدم شكري واعتذاري أيضاً لكل هؤلاء الشباب والإخوة والأخوات المقيمين خارج بلادهم بسبب المشاق التي سببتها لهم خلال هذه المدة، وأسال الله- تعالى- لكم جميعاً السلامة والعزة والسعادة، وأملي أن تتوفر الاوضاع السلمية في إيران، فتعودوا إليها كافة، وتخدموا شعبكم ووطنكم.
لقد رأيتم كيف انهارت أركان قصر ذاك الحاكم الذي أراد أن يعتبر سلطته من القوى الكبرى انهياراً متتابعاً برغم دعم القوى الكبرى له، وبتأييد كل حكومات البلدان الإسلامية تقريباً مع بالغ الاسف.
لقد انهارت كل أركان قصره بوحدة كلمة الشعب، لقد أطنب هو وعملاؤه الخبثاء في التطبيل والمبالغة في مدح حزبه المسمى حزب رستاخيز (البعث) حتى بلغت المدائح درجة أن يقول (الملك) بنفسه: سنعطي بطاقة السفر كل من لا يدخل هذا الحزب، ونقول له: اخرج من هنا!
ونقول له: أنت من هذه البلاد. أجل لقد أصر على تعميم هذا الحزب الى هذه الدرجة، لكن الشعب الإيراني تحدى هذا الحزب وصانعه والدبابات والمدافع والبنادق، حتى أجبر هذا المستبد على أن يغض الطرف عن حزبه كأنه لم يكن!!
لقد ارتكب خيانة تغيير التقويم الإسلامي، وهو أشرف تقويم والأكثر إيجابية، فهو يرتبط بالدين الذي أيقظ بني الانسان والمستضعفين، واخضع جميع طواغيت عصر ظهوره، ورعى الانسان الكامل بكل معنى الكلمة وبجميع أبعاده المعنوية والمادية، لكن هذا المرء أراد سلب إيران هذه الكرامة، وضرب أساس الإسلام وإعادة تقويم تأريخ الجاهلية الملكية وإحلالها محله، ولكن رأيتم أن همة الشعب الإيراني الذي انتفض بجميع فئاته قد أجبرته على التراجع عن هذا القرار أيضاً.
ورأيتم أن اتحاد كلمتكم- أيها الإيرانيون- قد أجبر هذا الذي أغدق على نفسه! كل هذه المدائح، وأغدق الآخرون عليه أمثالها- على أن يقف إزاء الشعب، ويعلن توبته، ويعتذر ليخدع الشعب بالطبع، لكنه اضطر لهذا على كل حال.
كما رأيتم أن وحدة كلمتكم- يا أبناء الشعب الإيراني- قد أجبرت القوى الكبرى على التراجع، ففي البداية كانت تجتمع على دعمه وتأييده، واطلقت كل منها شعاراً، فقالت إحداها: نتدخل عسكرياً في إيران وقالت الآخرى: إن سقوطه سيؤدي الى تقسيم إيران أو غير ذلك من الشعارات التي أعادوا ترويجها.
ولكن لاحظتم أنه إضطر الى الخروج من إيران- برغم جميع القوى الكبرى التي كانت معه، وكانت تدعمه- وهرب من قبضة المسلمين وقبضة شبابنا مع الأسف، ولكن سيطالبون في القريب العاجل بارجاعه الى إيران- إن شاء الله- (الحاضرون: إن شاء الله).
فقد سرق ثروات شعبنا وأمواله، ونقلها مؤخّراً الى خارج إيران، ولكن ستسترجع منه- إن شاء الله (الحاضرون: إن شاء الله). وسينال العقاب على ما جنته يداه من ظلم وجرائم رغم أننا لا نستطيع معاقبة أمثال هؤلاء المجرمين، فهذا ما لا تطيقه القوة الانسانية، فما يطبقه الانسان هو الاقتصاص من القاتل بقتله عقاباً له على قتله لانسان آخر، ولكن كيف يمكن معاقبة هذا الجاني الذي جلب لكل الشعب هذه الأوضاع التي ترونها، وارتكب المذابح الجماعية وحبس أبناء الشعب زمناً طويلًا- في سجونه التي كان يدخلهم فيها شباباً، فيعودون لنا شيباً، فأحد هؤلاء الذين قضوا في السجن عشرة أو خمسة عشر عاماً يصافحني بقوة بطل المصارعة.
أما اليوم، فقد وهنت قوته تلك، أجل نحن لا نستطيع التعويض من كل الأذى والعذاب والنفي والتشريد الذي ألحقوه بشبابنا ومثقفينا وعلمائنا وجامعيينا وكسبتنا.
إنه لا يملك أكثر من روح واحد، فاجتمعوا كافة، وانتزعوا منه هذا الروح الواحد مثلما إنتزع أرواح المئات والمئات من خيرة أبناء الإسلام، فلا يمكن جبران الأمر بانتزاع روح من يرتبط بالأجانب أكثر من ارتباطه بشعبنا.
أجل لا يمكن جبران الأمر، حتى لو قطعتم رجليه ويديه، وقلعتم عينيه فرضاً، وهذا بحد ذاته دليل على وجود عالم آخر يتم فيه إنزال العقاب الكامل، ويمكن فيه قتله واحياؤه مراراً، لكي يتم الاقتصاص منه على كل جريمة قتل ارتكبها وإذاقته العذاب الطويل السرمدي على العذاب الذي أنزله بشبابنا.
لا يمكن أيها السيد أن تسلط على الشعب أحد ثلاثين سنة ونيفاً جار فيها هو وعملاؤه على جميع الشعب في أنحاء البلاد من النساء والأبناء والشباب والعلماء وغير العلماء دون أن يعاقب وعقابنا له غير كاف، حتى لو وصلت أيدينا إليه، ولا يسمح الله- تبارك وتعالى- أن يكون عقاب من يقوم بكل هذه الأعمال مجرد الاقتصاص (الدنيوي) منه بأن يقتل أو تصادر أمواله.
إن بين شبابنا من حبسهم (هذا الحاكم) وهم في ريعان شبابهم وضيع عشرة أو خمسة عشر عاماً من أعمارهم في حين كان بأمكان كل منهم- إذا كان من العلماء- أن يقضي هذه السنين في التأليف وهداية الناس، أو التأليف وتثقيف الناس إذا كان من المثقفين، أو في إنقاذ الكثيرين من الموت إن كان من الأطباء، إن جميع الذين سجنوهم منا- من مختلف التخصصات- قد حرموهم القسم الأكبر من أعمارهم بمعنى أن إلقاءهم في السجن يمنعهم من القيام بأي عمل، فكيف يمكن التعويض على ذلك و بماذا؟! هل يستقيم الأمر بقتل محمد رضا؟ وهل يتحقق التعويض بذلك؟!
لقد ارتكب كل هذه المفاسد والظلم والجرائم وهو يعيش الآن أيامه الأخيرة تقريباً، فهل يمكن لي ولكم القول بأن الأمر ينتهي بالاقتصاص منه ومصادرة أمواله؟! وبالطبع لا نستطيع حتى الوصول الى جميع أمواله، فقد نقلها الى أيديهم الأمينة جداً! لكنها أمينة له ولشعوب أسياده، وخيانية بالنسبة لنا!!
لا أعلم في أي خزينة استقرت الآن تلك الجواهر التي حملها معه أبوه، لقد نقلوها يومئذ الى انجلترا، وهذا الابن حمل هو الآخر- كما نقلوا- حقائب مليئة بالمجواهرات التي تعود ملكيتها للشعب إضافة الى الاموال الكثيرة التي كشفوا عن مقدار منها فقط. حتى لو فرضتم أنكم استطعتم انتزاع كل هذه الأموال منه فهل تستطيعون بذلك التعويض من كل هذه الطاقات التي هدرها من الشعب؟!
لقد جعل جامعاتنا بالصورة التي تؤدي الى تضييع طاقاتنا البشرية، وليت الأمر اقتصر على تضييعها فقط، فقد تعداه الى تحويلها الى طاقات تفتقد الروح الانساني، فلقد أنشأوا دور السينما بتلك الصورة التي كانت عليها في عهده- ومراكز الفساد والبغاء لجر شبابنا إليها وإغفالهم عن قضاياهم المصيرية والمرتبطة بحياتهم. وهذه المراكز حوّلت هذه الطاقات الأنسانية الى غير إنسانية إضافة الى تعطيلها عن واجبها في خدمة البلاد. فكيف يمكننا تلافي هذه الجرائم والمعاقبة عليها؟!
إن هذا ما لا تطيقه قدرة البشر، فتحققه إنما يكون وراء هذا العالم، وإعلموا أن العقاب سيتحقق (الحاضرون: إن شاء الله) في العالم الآخر حسبما يصرح به القرآن الكريم: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) ( «68»).
أي يراه بنفسه كما تؤكد الآية الكريمة، وهذه هي حقيقة الأمر، فصورة هذا العمل تنعكس في العالم الآخر بما يناسب حقيقة العمل ويراه فاعله بنفسه، وبذلك يكون عقابه وإصلاح الأمر هناك، فلتطمئن قلوبكم لحتمية معاقبة هذا الجاني على جرائمه في ذاك العالم حتى إذا لم تستطيعوا القبض عليه في هذا العالم ولو قبضتم عليه فلن تستطيعوا القصاص منه بصورة كاملة.
ورغم كل ما تحقق لم نطو سوى نصف الطريق أو أقل منه، وإن وحدة الكلمة والتفاف الشعب حول موقف واحد قد أثمرا سقوط هذه الأركان الممتدة الى العرش- حسب وصفهم- الواحد بعد الآخر: فانهارت مثلما يذوب الثلج، ولكن برغم ذلك ما زال الطريق طويلًا، وهذه هي بدايته، فهدفنا ليس ذهاب الملك فقط، بل هو أحد مطالبنا، ونحن نعتبر النظام الملكي منحرفاً من الأساس ومنذ نشوئه، لأنه جاء خلاف القوانين والقيم التي يقرها العقل الانساني، إفرضوا أن أحداً نال تأييد المجلس النيابي، والفرض هو أنه مجلس نيابي صحيح وسليم، وليس باطلًا كما هو حال المجلس النيابي في إيران، فلا أعني هذا أصلًا: بل الفرض هو أن مجلساً تأسيسياً منبثقاً كاملًا من الشعب، وممثلًا له حقيقة نصب امرأ على عرش الحكومة، وأقرّ لذريته خلافته على العرش من بعده، لكننا برغم ذلك نقول لأعضاء هذا المجلس التأسيسي المنبثق عن الشعب، بل نقول لهذا الشعب نفسه: حسن جداً لقد قررتم مصيركم بأنفسكم، وهذا حقكم- بانتخاب أحد لحكمكم في عصركم، ولكن بأي حق، قررتم مصيرنا نحن الذين جئنا للدنيا بعدكم بمئتي عام؟! أيها الأجداد، بأي قانون، وبأي حق قررتم مصيرنا نحن الذين نعيش في هذا العصر؟!
إن جميع اولي العقول يؤيدون هذا الاعتراض، لكنهم يروجون الدعايات التضليلية المنحرفة بين الناس بكثافة لإقناعهم بصحة ذاك العمل مع أنه يكون أحياناً مفضوحاً وممجوجاً حتى الخان نفسه يدرك.
إنكم تقولون: إن القانون والعقل ووثيقة حقوق الانسان تجمع على الاقرار بحق كل بلد في تقرير مصيره بنفسه وحق كل شخص وكل شعب بتقرير مصيره بنفسه، وهذا قول سليم، ويجب أن يكون حق تقرير مصير الشعب الإيراني بيده هو، فمن حقه أن ينتخب هذا نائباً في المجلس، وذاك رئيساً للجمهورية، وافرضوا أننا أجتمعنا كلنا، وشكلنا بالانتخابات مجلساً تأسيسياً يمثلنا حقاً، فهذا المجلس يحق له أن يقرر مصير الشعب الإيراني الموجود في العصر الحاضر، وليس مصير الأجيال والفئات التي ستتشكل بعد مائة عام من ذراريكم، فهذه غير موجودة اليوم ولا تمثل الشعب الإيراني المعاصر، بل هي عدم الآن، فلا أستطيع أن أقرر أنا الآن مصيرها، فبأي حق نحدد مصائر الآخرين؟! وهذه الاجيال القادمة هي من الآخرين.
نحن لا نستطيع- لمجرد أننا جميعاً نعيش الآن في إيران، ولاننا جميعاً مسلمون- أن نعيّن مصير أجيال غير موجودة اليوم، ونلزم ذرياتنا عندما تأتي في المستقبل أن تعترف بعنوان صاحب الجلالة لهذا السيد! فبأي حق نفعل ذلك؟ وما علاقتنا أنا وأنت بتقرير مصيرها؟!
إذا فالنظام الملكي باطل من الأساس ومخالف للعقل والوجدان الانساني، وهذه الحقيقة تصدق في حالة كون المجلس التأسيسي سليماً وممثلًا للشعب بصورة كاملة ومع ذلك ينبغي أن لا يكون لقراراته أي أثر على الأجيال القادمة.
أما الذي رجعنا الى التأريخ، فنحن- ولستم أنتم الشباب الذين لم تكونوا قد ولدتم بعد- كنا شهوداً على الذي جرى وكيف أقيمت هذه السلطنة (البهلوية)، فقد شكلوا مجلساً بقوة الحراب وبالحراب نفسها انتزعوا منه رأي الموافقة على ما يريدون، إذ لم يكن فيه من يتجرأ على المعارضة، بل على التنفس أيضاً- وبالطبع عارضت ثلة من المضحين، ولكن الأخرين كافة أيدوا إما بالترغيب لكثرة ما أعطوهم، أو بالترهيب بالحراب المرفوعة فوق رؤوسهم. وبهذا المجلس الذي أقاموه بقوة الحراب فرضوا علينا مثل هذه الموجودات!!
حتى إذا كان هذا المجلس سليماً- ولم يكن كذلك- فإن قراره يصح على أهل ذلك الزمان الذي لم تكونوا أنتم فيه، فلا يمكن أن يكون للاستفتاء العام الذي أجري في ذلك الزمان ولا للمجلس التأسيسي الذي أقيم فيه دخل أو أثر في تقرير مصيركم أنتم. نحن تقدمنا خطوة تمثلت في طرد هذا المرء من بلادنا وهو الذي كان يريد أن يخرجنا منها، فقد كان يقول: (كل من لم يدخل في عضوية حزب رستاخيز- البعث-، فعليه الخروج من البلد).
ولكنكم- ولله الحمد- إتحدتم، فكانت ثمرة وحدة كلمتكم أنكم أنزلتم به ما أراد أن ينزله بكم، فطردتموه، ولن يستطيع أحد اعادته مستقبلًا، ولو استطاعوا لأبقوه (يضحك الحاضرون). فإبقاؤه أيسر من ترحيله وإعادته، لكنهم- بالطبع- يسعون لتحقيق ذلك الآن.
ويقال: إن هذا الخبيث أمر- وهو في الطيارة التي كانت تحلق في الجو- بأن ينفذوا انقلاباً عسكرياً (يضحك الحاضرون)، فالطائرة في الجو وهو لم يتخل بعد من إتباع أهوائه النفسية (يضحك الحاضرون).
أجل في تلك الحالة أمر- كما ينقل- بتنفيذ الانقلاب العسكري ولكن أوامره بالقتل والضرب لم تعد مطاعة، فلم يطيعوه، وخلال هذه الأيام القليلة الماضية نقلوا لي، كما بعثوا اليوم أيضاً تقريراً آخر يفيد بأنه قد صدر أمر لأحد المعسكرات بتنفيذ انقلاب عسكري في مدينة همدان وقصفها، لكنهم لم يطيعوا الأمر، وأضربوا عن الطعام، وأعرضوا عن الإصغاء له. وأصبح هذا المعسكر ملكاً للشعب بالكامل، فما السر الذي حقق كل ذلك؟!
إنه يكمن في أمرين، الأول: في وحدة الكلمة التي تجسدت في إيران. والثاني في تلك الدعامة التي هي عبارة عن الحق والحقيقة وهي الله- تبارك وتعالى- فمن أجل الله والإسلام صرختم مطالبين بإقامة الإسلام وحكومته وبالحرية والاستقلال.
الأصل هو المطالبة بحكومة الإسلام، فهي التي تحقق لكم الحرية والاستقلال وغاية الأمر أنكم وضعتم هذا المطلب على نحو التفصيل، والا فإقامة الحكومة الإسلامية تعني تحقيق الحرية والاستقلال.
إن قيام اتحادكم على هذه الدعامة هو الذي حقق- بإرادة الله تعالى- هذا الانتصار لكم وأوصلكم الى هذه المرحلة، وسيستمر الانتصار حليفكم في حالة الحفاظ على هذين الركنين، أي أن تكون انتفاضتكم للحق: (أعظكم بواحدة أن تقوموا الله) قوموا لله، لا للشهوات النفسانية، فلن يحقق الانسان شيئاً وسيؤول مصيره الى الخسران، إذا كانت حركته في سبيل الشهوات النفسانية، وليس في سبيل الله، فلا يدوم الامر ما لم يكن لله، اجتهدوا في أن يكون قيامكم لله، وأن تكون نهضتكم هذه إلهية وفي سبيل الله.
لا أستطيع التصديق أصلًا بأن يقوم الانسان الفاقد للقيم المعنوية بخدمة للناس حقاً، فيمكن للمرء أن يعقل بأن يقوم أحد أصحاب القيم المعنوية المؤمنين بالله والمعاد والعقاب والثواب، بالتضحية بروحه سعياً للحصول على روح أسمى، يقدم كل ما يملك ويأخذ من الله ما هو أعظم مما لا عين رأيت ولا أذن سمعت، فمن المعقول أن نقدم عباءة واحدة ونتسلم مائة، نقدم هذه الروح المحبوسة في هذا الجسد، فنتحرر ونحصل على روح إلهية حرة محيطة وذات إرادة فعالة تقول للشيء كن فيكون، ويكون لها كلما تريد.
من المعقول في هذه الحالة أن يضحي الانسان، ويقدم روحه، أما الفاقد لهذه المبادئ، فهو إما كاذب في ادعائه التضحية، وإما أنه أحمق للغاية، وأنا أعتقد أنه ادعاء كاذب وتضليل، يقول: إنني أكدح من أجل الجماهير، فأسأله: وماذا يكون الحال إذا قتلوك؟! وهل أنت حقاً واقف نفسك للجماهير؟! إن كل ما يطلبه الانسان إنما يطلبه لنفسه، ويحتمل أن يظهر عدد قليل جداً- بين كل بني الانسان- من لا يطلب الأمر لنفسه، ولكن هؤلاء معدودون ولا يمكن أن يكونوا فوجاً.
ولا يمكن أن يكتب الاستمرار لعمل ما لم يكن مستنداً للقيم للمعنوية والالهية، ولذلك يختار الله تبارك وتعالى- من بين كل المواعظ التي يوجهها الآخرون موعظة واحدة، والواعظ في هذه الموعظة الواحدة هو الله- تبارك وتعالى- ومبلغها هو رسوله- صلى الله عليه وآله وسلم- والكتاب الذي سجلت فيه هو القرآن الكريم، فهو مصدرها، وهي: (إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله)، أي: عليكم أن تقوموا، وأن يكون قيامكم لله.
فاذا أردتم أن يكون قيامكم مثمراً يوصلكم الى ما تريدون، لا الى التشرذم والتفرق وأمثال ذلك، فعليكم أن تكون كل همتكم متوجهة نحو نقطة واحدة هي ما وراء عالم الطبيعة، الى النقطة غير المتناهية المطلقة في جميع الابعاد، فليكن توجهكم جميعاً إليها، فاذا تحقق ذلك كان قيامكم ونهضتكم إسلامية سليمة دائمة، لأن مستندها دائم، ومن كان مستنده دائماً فهو أيضاً دائم.
هذه هي موعظة الله- تبارك وتعالى- أبلغها لكم بلسان القرآن، وهي تفهمنا وجوب أن تكون كلمتنا متحدة حول وجهة واحدة هو الله، أن تقوموا لله وحينئذ لن توجه هذا نحو هذا السبيل، وذاك نحو سبيل آخر.
وإذا رأيتم تشرذم الأحزاب وتعدد الجبهات في هضبة معينة، فاعلموا أن وحدة الكلمة تقوم على الدعوة لوحدة العقيدة التي تثمر بحد ذاتها وحدة الكلمة ووحدة العمل (إنما أعظكم بواحدة)، فهي موعظة واحدة فقط، لكنها تشتمل على كل شيء، فأصغوا لهذه الموعظة الواحدة، اعملوا بها، ففيها كل شيء، فهي موعظة الله وموعظته الواحدة لا أكثر، ففي هذه الكلمة كل ما تتصورون، وهذا سر كون القرآن معجزة، فهو يدير جميع شؤون البشر في ثلاث كلمات أو أربع. (أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى)، إذا كان القيام لله، فأن كل شيء يتمركز في هذه الألوهية، ولأنه قيامكم ونهضتكم تفوح بعبق من رائحة الالوهية، فقد بلغت مرتبة سحق كل القوى البشرية، وتغلبت القبضات الخالية على الدبابات والمدافع التي جلبوها وكدسوها في إيران، فتحدتها قبضات شبابنا وشيبنا الذين أعلنوا أنها لم يعد لها أدنى تأثير فيهم، والسبب هو أن قيامهم لله، ولا يمكن مواجهة الله والرد عليه؟! هذا التحرك إلهي، فهو لله ولذلك أبطل كل دعاويهم وألقاها جانباً.
ورغم ذلك، فهذه هي بداية الطريق، فلا تتوهموا أننا حققنا المطلوب، وعلينا الركون الى الدعة في منازلنا، لا النهضة هي لله، وهذه هي بدايتها والمنزل الأول، منزل اليقظة حسب مصطلح أهل المعرفة، والطريق طويل اليوم، فنحن نرث بلاداً دمر هذا الرجل كل ما فيها وما لديها، فأيّ مظهر من مظاهر التحضر تتوجهون اليها تجدونها مدمرة، وهو يطبل بأنني جئت بالتحضر العظيم. لقد دمر جامعاتنا وزراعتنا، وهدر كل نفطنا تقريباً، إذ سينفد بعد عشرين سنة أو حدود ذلك كما يقول وسينفد بالطبع ما دمتم تقدمونه للآخرين بهذه الصورة.
أجل لقد ضيع كل ثرواتنا، وأبشع جرائمه تدميره للطاقات البشريه وشبابنا، فالانسان هو الذي يستطيع التحرك، وهو صاحب القيمة الحقيقية، فلا قيمة للماء والتراب وأمثالها منفردة، لأن القيمة الأصلية للإنسان، لكن هذا المرء سلب إيران طاقاتها الانسانية والشابة الأصيلة.
سلوا هؤلاء الشباب الذين جاؤوا الى ألمانيا للدراسة في مجال الطاقة النووية، فقد زاروني، وأخبروني، فأسلوهم أنتم أيضاً وهم العارفون بحالهم، إنهم يقولون: لقد حبسونا في مستويات دانية يصدّونا عن تجاوزها، ولا أثر لعلمنا، فهو عقيم، أجل فهم يحبسون الطاقات القادرة على التطور في مستوى هابط يخنقونها فيه.
أجل، لقد دمر بلادنا كلها، وحتى إذا نجحنا في طرد هذه البقايا من جسد النظام، فإننا مع ذلك نحتاج الى عشر سنوات أو عشرين سنة، تتعاضد فيها جهود كل فئات الشعب، لكي نستطيع سد كل هذه النقائص، فأنتم تريدون ان يعود وضع الزراعة الى ما كان عليه قبل هذا الافساد الزراعي الذي نفذه، وتحقق هذا الأمر يحتاج الى جهود مضنية على مدى عشرة أعوام أو عشرين عاماً تتعاون فيها كل فئات الشعب وينهمك فيها جميع المزارعين والفلاحين في العمل ويعينهم الآخرون عليه، فلا يمكن لفئة واحدة أو للحكومة وحدها إنجاز هذه المهمة.
نحن نريد أن ندخل الشعب برمته في الحكومة، فلا يكون منعزلًا عنها، بل ينبغي أن يتعاون الجميع ويعضد بعضهم بعضاً، فلا يكون الحاكم أجنبياً يخشاه الأهالي، ويرمقونه دون أن يتجرأوا على محادثته، نحن نريد حاكماً مثل أمير المؤمنين- سلام الله عليه-، وبالطبع فنحن عندما نقول مثل الإمام نقصد الشبيه والشبيه البعيد جداً ولا القريب، ففي- عهد سلطنته- أستغفر الله من قولي سلطنته-، في عهد إمارته الشرعية وخلافته التي كانت تمتد الى مناطق واسعة، وتشتمل على الحجاز ومصر والعراق وإيران وغيرها، كان يتفقد بنفسه أحوال الناس، وينقل التأريخ والسادة أنه ذهب مرة الى بيت امرأة، وأخذ يسلي أطفالها حتى أضحكهم، ومثل هذا العمل لا يستطيع القيام به ناس معتادون بل إنه من أعمال امرء يفوق مرتبة الانسان الطبيعي. أجل، فقد أطلق بعض الأصوات ليضحك أولئك الأطفال، ثم يبين أنه دخل وهم يبكون، فأراد أن يخرج وهم يضحكون.
نحن نريد حاكماً كهذا، لا حاكماً تخاف ظله، نريد حاكماً إذا جلس في المسجد التف الناس حوله يحادثونه، ويعرضون عليه إشكالاتهم، نريد أميراً إذا ادعى يهودي عليه ودعاه القاضي للمثول للمحاكمة حضر في مجلس القاضي الذي نصبه بنفسه للقضاء، ثم يستمع القاضي للدعوى، ويصدر حكمه مؤيداً الدعوى على الأمير، فينفذ- سلام الله عليه- الحكم دون أن يتأذى، فهل تستطيع الحكومات أن ترفع دعوى بشأن كل ما نهبه هذا من مؤسسة بهلوي؟
هل تستطيع إحضار هذا الرجيل، وتحاسبه على أموال هذه المؤسسة التي نثرها على اقاربه والمرتبطين به وأبنائه وبناته، فخمسة عشر مليون دولار أعطاها فلاناً، وعشرة ملايين دولار فلاناً، وخمسة ملايين دولار فلاناً، وثلاثين مليون دولار فلاناً وهكذا؟!
نحن نريد إقامة حكومة عادلة، أي: أن لا تكون سارقة في الاقل، فلا نريد الاقتداء بحاكمنا، ويجب عليها الالتزام بذلك، فلا تسرق أموال الشعب، وتأخذها وترحل، طالعوا ثبت الأسماء الطويلة التي نشروها قبل شهر أو شهرين- ولابد أنكم طالعتموها-، فهل تجدون إسم إنسان متدين، واحد بينها؟! هل تجدون فيها إسم واحد من هؤلاء الذين سموهم الملالي الطفيليين؟!
أجل، فأوصاف مثل الملالي الطفيليين هي افتراءات الدعايات المضادة التي أرادوا بها تشويه صورة العالم الديني، لأنه هو القادر على ردعهم ودحرهم، وهو القادر على مواجهة دباباتهم ومدافعهم بمنبره ومحرابه.
ولذلك يريدون أن ينزعوا عنكم هذه القوة وقوة الإسلام والقرآن، لتصبحوا فاقدين للارتباط بالله ولأي سلاح، فلا الله معكم وليس لديكم إمام ولا قرآن ولا واعظ ولا منبر ولا محراب ولا عالم ديني.
ولتحقيق ذلك قاموا بتلك الدعايات التي ما زالوا يواصلونها الآن، ولقد روّجوا الكثير منها في عهد ذاك الملحد، وأثرت في بعض الناس حتى إنهم لم يكونوا يسمحون لعلماء الدين بالصعود الى حافلات النقل، وقد قال ذاك الرجيل: إني عاهدت الله على أن لا أسمح لصنفين بركوب السيارة، هما العلماء والبغايا!! فلماذا روّجوا كل تلك الدعايات؟!
الجواب هو أنهم كانوا يخشون العلماء، فعالم ديني واحد كان في المجلس النيابي وجه له الكثير من الصفات المؤلمة، أجل فالسيد المدرس- وهو عالم ديني واحد- الحق به العديد من الهزائم في المجلس النيابي، ولذلك اعتقلوه وقتلوه.
إن وحدة الكلمة والقيام لله هما اللذان وهباكما هذا النصر، فاحفظوا وحدة الكلمة، وأعرضوا عن اللعب الحزبية والتمييز بين عالم الدين والجامعي، فالله يعلم أنها تضركم، وتوجه الضربات لكل منكم، المرء يأتي الى الخارج، فيرى أن الجبهات متنازعة، هذه تتحدث وتتحرك على خلاف تلك وبالعكس.
فأعرضوا عن ذلك أيها السادة، فان كنتم مسلمين، فالإسلام يوجب الإعراض عن الاختلاف. إن كنتم وطنيين، فالوطنية تقتضي الإعراض عنه. وأن كنتم عقلاء، فالعقل يحكم بذلك أيضاً. وأعتقد أن الأجانب هم الذين أوجدوا الاختلافات لتفريقنا، فأعرضوا عنها، وإتحدوا فإن: (يد الله مع الجماعة).
اتحدوا فقد تقدمتم الى هنا فواصلوا المسيرة الى هدفها، أي: قطع أيدي الأجانب عن بلدكم، ليصبح لكم، تديرونه بأنفسكم، فتبيعون ما تشاؤون من ثرواته، فإن شئتم بيع النفط بعتموه، والا فلا: وبالطبع فنحن نريد بيع النفط، ولكن ليس بالأسلوب الذي كان يتبعه ذاك الرجل، إذ كان يعطيهم النفط، ويبني لهم قواعد عسكرية في بلدنا بثمنه، فهذه الحالة لن تستمر بالطبع.
احفظوا وحدة كلمتكم، فلو سلبوكم هذه القاعدة، فاعلموا أنكم مهزمون، فلو وقعت الفرقة بين هذه الحشود التي تطالب بالحرية في إيران، وتهتف باسم الله، وظهرت فئة بينها وأطلقت شعاراً غير الهي لم يكن لله، فاعلموا أنهم سيهزمونكم، وهم يسعون لاثارة مثل هذه الفرقة الآن بعدما لحقت بهم الهزيمة، ولذلك يتشبثون بكل وسيلة ممكنة لهم يوجدوا حزباً تحت هذا الاسم وأخر يحمل اسماً ثانياً بغية التضليل وتدمير معنويات الشعب.
ولذا أوصيكم بتعزيز قوتكم وحفظ معنوياتكم، فماذا يمكن لهؤلاء الصبيان الأربعة أن يحققوه بعدما عجزت كل القوى الاخرى عن مواجهتها، وقد رأيتم وترون أن كل القوى كانت تسانده، وبرغم ذلك طردتموه من بلدكم، ونهضتنا مستمرة، وصرخاتنا مستمرة ما دامت الأرواح في أبداننا حتى قطع كل أيدي الأجانب- اليساريين منهم أو اليمنيين- من بلدنا بصورة كاملة (الحاضرون: صحيح- تعبيراً عن التأييد).
فأعرضوا عن التفرقة وتشتت الكلمة أيها السادة. إنني أطلب منكم ومن جميع فئات الشعب الإيراني- بكل رجاء وتأكيد- أن تلتفّوا جميعاً حول التحرك لتحقيق مطلب واحد هو تحرير بلدكم من مخالب الأجانب كافة، فإن دفاع هذا عن سياسات أمريكا، وذاك عن سياسات روسيا والثالث عن الصين، كلّها مواقف منحرفة، فلماذا لا تدافع عن مصالحك أنت ايها المسكين والبلد بلدك؟
إذا كان البلد بلدي، فلا يصحّ أن أقدمه للآخرين؟! وهل أبقى وطنيا في هذه الحالة؟! وهل أبقى شعبياً جماهيرياً؟! إن الجماهيري هو الذي يخدم شعبه، لا الصين ولا غيرها. كفوا عن الاختلافات، والتفوا جميعاً حول راية الإسلام إذا أردتم قطع أيدي كل الأجانب من بلدكم وإقامة دولة مثالية تتجسد فيها الأخلاق الفاضلة لا تظلم الآخرين، ولا تطمع بثرواتهم مثلما ترفض تحمل ظلمهم لها، وتمنع تعرضهم لثرواتها. ان برنامج عملنا هو أن لا نظلم أحداً، ولا نقبل الظلم من أحد، لا نريد فرض شيء على الناس، كما لا نتحمل أن يفرض علينا الآخرون شيئاً.
إتحدوا وليكن اتحادكم في سبيل الله، أخلصوا نواياكم لله، ورصّوا صفوفكم، ورجائي أن ينصركم الله، وسينصركم إن شاء الله (الحاضرون: إن شاء الله).