يعتبر عيد الفطر السعيد واحداً من الأعياد الكبيرة والمهمة في الإسلام وقد ذُكرت حوله الكثير من الأحاديث والروايات. فالمسلمون الذين أدوا الصيام في شهر رمضان الكريم وامتنعوا عن الطعام والشراب والكثير من الأعمال المباحة الأخرى يطلبون الآن بعد انقضاء هذا الشهر الكريم وفي أول يوم من شهر شوال من الباري جل وعلا أجرهم وثوابهم الذي وعدهم الله به.
يعتبر الإمام الخميني أن عيد الفطر السعيد هو حفل ضيافة إلهية ووصال بالله تبارك وتعالى وحفل انتصار على هوى النفس والشيطان والنجاح في إنجاز الأوامر الإلهية. يقول الإمام الخميني(قدس سره):
«عيد الفطر الشريف الذي هو عيد في ضيافة الله، وعيد الاضحى المبارك الذي هو عيد لقاء الله. ويعد عيد ضيافة الله مقدمة للقاء الله.»(صحيفة الامام الخميني، ج18، ص105)
يرى الإمام الخميني(قدس سره) أنه وببركة هذه الضيافة الإلهية في شهر رمضان الكريم تنتج وتعم الوحدة والوئام في المجتمع في يوم عيد الفطر السعيد، حيث يجد فيه الناس المجتمعون لأداء صلاة العيد وسماع خطبه طريق العزة والشرف مقابل الأعداء السفاكين، ولن يرضخوا لهوى النفس والشيطان. في هذا السياق يقول الإمام الخميني(قدس سره):
«يوم الفطر يوم جعله الله- تعالى- للمسلمين عيداً، حتى يجتمعوا للصلاة والخطب المناسبة لكل عصر، ليختاروا موقفهم من الإسلام وأعدائه السفاكين.»(صحيفة الامام الخميني، ج3، ص170)
يرى سماحة الإمام (قدس سره) أن صلاة عيد الفطر المليونية الواسعة والمهيبة سنة 1979م بإمامة الشهيد آية الله مفتح رحمه الله هي التي كسرت ظهر الطاغوت (الشاه) في ذلك الحين وأدت إلى الإطاحة بالنظام الظالم والناهب للشعب في الجمهورية الإسلامية الايرانية. يقول سماحته:
«لقد كان عيد الفطر لهذا العام عيد الملحمة والحركة الشاملة لجميع تيارات الشعب الايراني، لقد أثبت هذا اليوم للعالم وعي الشعب الايراني الفكري والعملي، كما أثبت زيف الادّعاءات الواسعة لأعداء النهضة. وقد أثبت تلاحم جميع فرق الشعب، وأعلن مطلب الشعب كافة بكل صراحة ألا وهو ذهاب الشاه والإطاحة بنظام الظلم والنهب. لقد أتبع الشعب الايراني المسلم صلاة العيد بعبادة عظيمة أخرى هي الصرخات المدّوية ضد نظام الظلم والنهب لإقامة حكومة العدالة الإسلامية وهذا في حد ذاته من أعظم العبادات .»(صحيفة الامام الخميني، ج3، ص387)
فلننظر بتعمق كيف أن الإمام الخميني(قدس سره)-الذي يعد بمثابة المصداق الكامل للعالِم العامل والعارف الواصل- بيّن بشكل جميل ووافٍ ومعبّرٍ آداب الضيافة الإلهية واجتياز المراحل الصعبة لتزكية النفس والوصول إلى عيد الفطر. يحدد الإمام الخميني معايير خاصة لعيد الفطر تقوم على قياسنا لأنفسنا والتفكر بذاتنا انطلاقاً من معتكف قلوبنا وبعيداً عن أي شكل من أشكال التعصب والتحيز، ولننظر بعد ذلك هل وصلنا إلى العيد الحقيقي أم لا وهل يحق لنا أن نعتبر أنفسنا المنتصرون في ميدان الحرب مع النفس.
المعيار الأول: هو التفكير بهذه الحقيقة وهي هل أننا بحق دخلنا في هذه الضيافة الإلهية وهل التزمنا بشكل لائق بشروطها وآدابها أم لا؟
المعيار الثاني: ترك الشهوات الظاهرية المشتملة على كافة المعاصي والذنوب التي ترتكبها أعضاء وجوارح الإنسان.
المعيار الثالث: ترك الشهوات الباطنية التي تعتبر أخطر من الشهوات الظاهرية وأعظم عائق يقف أمام تحرر الإنسان من "ذاته" والوصول إلى "الحرية المعنوية" و "مقام القرب الإلهي". وهذه الشهوات هي:
الأنانية، الآمال، الطموحات غير المشروعة، حب السلطة، طلب الرئاسة وجميع الصفات الباطنية التي تحرك الفتنة ، الاختلاف ، المكر ، النفاق والاستبداد في الرأي والعجب والاستكبار. وفي هذه الخصوص يقول الإمام الخميني:
«وان كل ما في هذه الضيافة عبارة عن ترك. ترك الشهوات من قبيل الأكل والشرب والجوانب الأخرى التي تقتضيها شهوات الإنسان .. إن الله تعالى دعانا لدخول دار الضيافة هذه، وهي ضيافة ليس فيها غير الترك، ترك الأهواء، ترك الأنانية، ترك الأماني. هذا كل ما في هذه الضيافة ولا بد لنا من التأمل لنرى هل دخلنا حقاً دار الضيافة ام لم ندخلها أصلًا؟ هل سمحوا لنا بدخول دار الضيافة ام لم يسمحوا؟ هل استفدنا من هذه الضيافة الإلهية أم لم نستفد؟. طبعاً حساب أمثالي مع كرام الكاتبين، ولكن أقول لكم ايها السادة والى كل من يستمع إلى حديثي هذا، لا سيما الشاب، أقول لهم: هل ذهبتم إلى دار الضيافة هذه؟ هل استفدتم؟ هل غضضتم الطرف عن الشهوات، لا سيما الشهوات النفسية؟...إن كل هذه المفاسد التي تحصل في العالم هي لأنهم لم يدخلوا في هذه الضيافة، وإذا ما دخلوا فيها لم يستفيدوا منها. الخطاب عام للناس جميعاً. كلكم دعوتم إلى ضيافة الله. جميعكم ضيوف الله. وهذه الضيافة كلها ترك. فإذا كانت هناك ذرة واحدة من هوى النفس لدى الإنسان، لم يدخل الضيافة. وإذا دخلها لم يستفد منها .. إن كل هذا الصخب والتكالب على الدنيا سببه انهم لم يستفيدوا من هذه الضيافة. لم يلبوا دعوة الله.اسعوا لتلبية هذه الدعوة. وإذا ما سمح لكم بالدخول ووجدتم طريقكم إليها، سوف تحل كل المسائل. إن قضايانا لم تحل الآن لأننا لم ندخل في ضيافة الله، اننا لم ندخل في شهر رمضان المبارك أصلًا، وانما مجرد تركنا الأكل والشرب، وما كان ينبغي له أن يحصل لم يحصل. فإذا ما سمحت الأهواء النفسية فان فطرة الإنسان فطرة إلهية. الفطرة هي فطرة الله والجميع متجهون إلى الله. ولكن هذا التوجه إلى الدنيا، الذي هو توجه ثانوي واعوجاجي، يحول دون ما ينبغي أن يكون. فإذا رأيتم في الدنيا الحرب والجدال وكان بينكم لا سمح الله نموذج من ذلك، فاعلموا بأنكم لم تدخلوا هذه الضيافة، لم تدركوا شهر رمضان. لقد أقبل عليكم شهر رمضان إلا أنكم رفضتموه، تراجعتم عنه.»(صحيفة الامام الخميني، ج213، ص48-49)
خلال التصريحات الإمام الخميني أمام جمع غفير من مسؤولي النظام الإسلامي في يوم عيد الفطر السعيد سنة 1408هـ.ق (17/05/1988م) يبدو أن لسماحته نهجا شاملا وواسعا فيما يتعلق بموضوع الضيافة الإلهية واجتياز العقبات الصعبة لجهاد ومجابهة عوائق النمو الكمال للوصول إلى "عيد الانتصار على النفس". إن لهذا النهج جانبين: الاول مرتبط "بالضيافة الإلهية" حيث يرى سماحته أن على الجميع ومن بينهم أصحاب السلطة والمقام في الأنظمة السياسية والحكومية الدخول إلى هذه الضيافة والاستفادة منها والسير على طريق الفلاح. فعلى نفس المبدأ الذي جعل الله سبحانه وتعالى فيه للدين الإسلامي قوانين شاملة ومحررة في الجوانب الاجتماعية ،الاقتصادية ،العلمية ،السياسية ،الأخلاقية ،التربوية والحكومية، فإنه جل وعلا جعل ضيافته كذلك. حيث توجد على سُفَرِه الواسعة موائد معنوية وافرة وكثيرة. ان مقام "ترك النفس والتخلص من قيود وسلاسل الأسر" المتناسب مع هذا الحضور على مستوى واسع يتمتع بقيمة وأثر عظيم.
الجانب الثاني يتعلق بـ "الشهوات النفسية" التي تعتبر وفقاً لهذا النهج الواسع خارجة عن الأمور الفردية والشهوات المحدودة بها. التي تلعب دوراً مدمراً ومخرباً في ساحات الأنظمة الحكومية ومجالات الإدارات المتنوعة لاصحاب السلطة والرئاسة في العالم.