ملخص من مقالة (نظرة على بعض إبداعات مجدِّد الفكر الديني الإمام الخميني)
ابوالفضل صالحي نيا ( الملحق الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان)
... إن الله مَنَّ على المسلمين والعلماء وحفظ كيان الحوزات الدينية ومجدها الحقيقي.. تربَّى العلماء الملتزمون في هذه الحوزات وفصَّلوا نهجهم عن الآخرين.. مع ذلك إلى الآن يوجد هذا التفكير في الحوزات وعلينا التنبُّه لكي لايتسرَّب تفكير فصل الدين عن السياسة من المتحجرين إلى طلاب العلوم الدينية الشباب.
يبدو أن خطر المدارس الفكرية المخالفة بأن يأخذ الدين دوره في المسرح السياسي وفي إدارة شؤون المجتمع لمٍ يزل وهذا دفع الإمام الخميني أن يخصِّص قسماً من وصيته التي تركها للأمة بهذا الموضوع الهام. يصنِّف الإمام الخميني في وصيته هؤلاء الأشخاص إلى صنفين، يتآمران لتيئيس الناس وخصوصاً الشعب الإيراني عن الإسلام فمنهم من يقول إن أحكام الإسلام تم تشريعها قبل 1400 سنة ولايمكن لها إدارة البلاد في عصرنا الحاضر ومنهم يتذرَّعون بالحفاظ على قدسية الإسلام للقول بأنَّ الإسلام والأديان السماوية الأخرى تعالج الروحانيات وتهذيب النفوس والانصراف عن المسؤوليات الدنيوية والدعوة إلى ترك الدنيا والاشتغال بالعبادات والأدعية التي تقرَّب الإنسان إلى الله تعالى وتبعدّه عن الدنيا والحكم والسياسة، ويأسف الإمام الخميني في وصيته لأثر هذه الدعاية على بعض علماء الدين والمتديِّنين غير العارفين بالإسلام بحيث اعتبروا أن التدخُّل في الحكومة والسياسة ذنباً وفسقاً.
يرد الإمام الخميني على هؤلاء المتآمرين على الإسلام وفي قسم من ردِّه يخاطب من يفصل بين الإسلام والحكومة والسياسة فيقول إن "القرآن الكريم وسنة الرسول(ص) فيهما الأحكام في الحكم والسياسة أكثر من الأمور الأخرى بل الكثير من أحكام العبادات في الإسلام هي أحكام العبادات في الإسلام هي أحكام عبادية وسياسية".
يعتبر الإمام الخميني "حكومة الحق لصالح المستضعفين ومنع الظلم وإقامة العدالة الاجتماعية هدف الأنبياء من أمثال النبي سليمان بن داوود(ع) والنبي الأكرم(ص) وأوصيائه الكرام الذين سعوا لتحقيق هذه الحكومة وإقامتها تعتبر من اكبر الواجبات وأفضل العبادات".
من هذا المنطلق قام الإمام الخميني بنهضته الإصلاحية داخل الحوزات الدينية وقاد الثورة الإسلامية إلى الانتصار وجاء بالجمهورية الإسلامية كنظام سياسي لإيران مفاجئاً العالم بمضمونه الإسلامي والديمقراطي. هذا النظام الجديد شكَّل نموذجاً فريداً على مستوى الأنظمة السياسية الموجودة حيث اجتمعت فيه المشروعية والشرعية. المشروعية تنبثق من الشعب ودورها في اختيار كل مسؤولي النظام مباشرة بالمشاركة في الانتخابات أو عن طريق مؤسسات تم اختيار أعضائها مباشرة بواسطة الشعب، وهذا يشمل الولي الفقيه ورئيس الجمهورية وأعضاء مجالس البلديات و... والشرعية في هذا النظام تنبثق من ضرورة كون القوانين إسلامية وهكذا تشكَّلت صورة النظام الإسلامي في ثوب الجمهورية الإسلامية.
الإمام الخميني في ردّ على سؤال مراسل صحيفة لوفيغارو به تاريخ 14 أكتوبر سنة 1978 حينما سأله أي نظام تريدون إقامته مكان النظام الملكي؟ قال نظام الجمهورية الإسلامية وحينما سأله مراسل مجلَّة لوموند بعد شهر من هذا التاريخ ما هي الجمهورية الإسلامية؟ أجاب سماحته الجمهورية بالمنعى الذي هو قائم في كلّ الأنظمة الجمهورية وأيضاً في لقاءٍ مع صحيفة التايمز اللندنية أكَّد الإمام الخميني بأنَّ النظام الإسلامي يُبني على العدالة والديمقراطية وحينما قال المراسل، العالم الغربي لايعرف شيئاً عن حكومتكم الإسلامية أجاب سماحته "نحن نريد الجمهورية الإسلامية، فالجمهورية هي شكل الحكومة والإسلام هو مضمون النظام".
هكذا رسم الإمام الخميني معالم النظام المستقبلي لإيران وما جرى في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية أثبت مصداقية الإمام في مواقفه حول شكل النظام وماهيته بعد إسقاط النظام الملكي، حيث تم تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران من خلال استفتاء عام شارك فيه الشعب الإيراني مع أنه لم يكن بحاجة إلى الاستفتاء نظراً لمشاركة كل أبناء الشعب في مسيرة الثورة الإسلامية ورفع شعار الاستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية كشعار أساسي في المظاهرات اليومية. فيا تُرى ما سبب إصرار الإمام الخميني على أجراء الاستفتاء العام لتحديد نوع النظام في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية؟.