في رسالة للامام الخميني(قدس سره) متضمنة وصايا توحيدية و عرفانية للسيد ابراهيم الخوئي :
...إنَّ الانسان ممتاز من بين سائر الموجودات باللطيفة الربانية والنفخة الروحية الالهية والفطرة السليمة الروحانية (فطرة الله التي فطر الناس عليها). وهذه بوجهٍ هي الأمانة المشار اليها بقوله- تعالى-: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والارض .. الخ) وهذه الفطرة هي الفطرة التوحيدية في المقامات الثلاثة عند رفض التعينات وإرجاع الكل اليه واسقاط الاضافات حتى الأسمائية وإفناء الجلّ لديه. ومَنْ لم يصل الى هذا المقام، فهوخارجُ عن الفطرة، وخائن للأمانة الالهية وجهول بمقام الربوبية وظلوم بحضرة الأحدية. ومعلوم عند اصحاب القلوب والعرفان وأرباب الشهود والعيان من ذوي السابقة الحسنى، أنّ حصول المنزلة والوصول بهذه المرتبة لا يمكن إلّا بالرياضات العقلية بعد طهارة النفس وتزكيتها، وصرف الهمّ ووقف الهمّة على المعارف الالهية عقيب تطهير الباطن وتخليتها. فاخرجي أيتها النفس الخالدة على الارض لاتباع الهوى من بيت الطبيعة المظلمة الموحشة، وهاجري الى الله- تعالى- مقام جمع الأحدي، والى رسوله صاحب قلب الأحدي الأحمدى حتى يدركك الموت الذي هو اضمحلال التعينات، فوقع أجرك على الله، وتأسى بأبيك الروحاني في السير الى ربه وقل: (وجهتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض ...) وهذا هو الفوز العظيم والجنة الذاتية اللقائية التي لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ولا تقنعي ايتها النفس بحصول الملاذ الحيوانية والشهوانية، ولا بالرئاسات الدنيوية الظاهرية، ولا بصورة النُّسك وقشرها، ولا با عتدال الخُلق وجُودتها، ولا بالفلسفة الرسمية والشبهات الكلامية، ولا بتنسيق كلمات ارباب التصوف والعرفان الرسمي وتنظيمها، وإرعاد أهل الخرقة وإبراقهم، فان صرف الهم الى كلّ ذلك والوقوف عليها اخترام وهلاك، والعلم هوالحجاب الأكبر. بل يكون همّك التوجه الى الله- تعالى- بارئك ومبدئك ومعيدك في كل الحركات والسكنات والافكار والأنظار والمناسك.
وهذه وصيتي الى النفس القاسية المظلمة، والى صاحبي وسيدي ذي الفكر الثاقب في العلوم الإلهية، والنظر الدقيق في المعارف الربانية، العالم الفاضل المولى الأمجد السيد ابراهيم الخوئي المعروف بمقبرئي- دام مجده وبلّغه الله تعالى غاية آمال العارفين ومنتهى سلوك السالكين- فإني قد ألقيت في روعه امهات ما عندي من اصول الفلسفة المتعالية وشطراً وافراً مما تلقيت عن المشايخ العظام وصحف أرباب المعارف؛ فقد بلغ- بحمد الله- فوق المراد وتردّى برداء الصلاح والسداد وعلى الله التكلان في المبدأ والمعاد.
ولقد كررتُ وصيتي بما وصّانا المشايخ العظام أن يضن بأسرار المعارف إلّا على اهله، ولا يتفوّه بحقائق العوارف في غير محله، فإنّ الله جلّ اسمه قال: (نُ- نَزِّلُ من القرآن ما هوشفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيدُ الظالمين إلّا خساراً). والتماسي منه- دام عزّه- أن يذكرني عند ربّه ذكراً جميلًا، ولا ينساني عن الدعاء في كل الأحوال، فإن بابه مفتوح للراغبين. (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) واحشرنا مع الأبرار، وجنّبنا عن مخالطة السيئة الأشرار بحق محمدٍ وآله الاطهار- عليهم السلام.
قد وقع الفراغ في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام (1357) وأنا العبد الضعيف السيد روح الله بن السيد مصطفى الخميني الكَمَرئي. (صحيفة الإمام، ج1، ص:40-41)
في رسالة للامام الخميني(قدس سره) متضمنة وصايا توحيدية و عرفانية للشيخ ميرزا جواد حجت:
...هذه وصيّتي الى نفسي القاسية المظلمة البط- الة والى صاحبي الموف- ق ذي الفكر الثاقب في العلوم الظاهرة والباطنة والنظر الدقيق في المعارف الالهية، العالم الفاضل النقّاد والروحاني الآغا ميرزا جواد الهمداني- بل- غه الله غاية الأماني- فإني ولعَمر الحبيب مع أنّه لستُ من اهل العلم وطلابه قد ألقيت اليه ما عندي من مهمّات أصول الفلسفة الالهية المتعالية، وشطراً مما استفدت من المشايخ العظام- ادام الله ظلّهم- وكتب ارباب المعرفة واصحاب القلوب- رضوان الله عليهم- وقد بلغ بحمد الله- تعالى- مرتبة العلم والعرفان وسلك مسلك العقل والايمان، وهوسلّمه الله لطيف السرّ والقريحة، نقيّ القلب، سليم الفطرة، جَيّد الرؤية، متردٍّ برداء العلم والسداد وعلى الله التوكل في المبدأ والمعاد.
ولقد أوصيته بما وصّانا اساطين الحكمة والمشايخ العظام من ارباب المعرفة، أن يضنّ بأسرار المعارف كلّ الضنّ على غير اهله من ذوي الجحد والاعتساف، والضالّين عن طريق الحقّ والانصاف، فإنّ هؤلاء السّفَهاء قرائحهم مُظلمة، وعقولهم مُكدّرة، ولا يزيدهم العلم والحكمة إلّا جهالة وضلالة، ولا المعارف الحقَة إلّا خسراناً وحيرة، وقد قال- تعالى شأنه-: (ونُنَزّلُ من القرآن ما هوشفاء ورحمة ... ولا يزيدُ الظالمينَ إلّا خَسَارا).
وإياك ثم إياك أيها الأخ الروحاني والصديق العقلاني وهذه الاشباح المنكوسة المّدعين للتمدّن والتجدّد، وهم الحُمُر المُستَنْفَرة والسّباع المفترسة والشياطين في صورة الإنسان، وهم أضلّ من الحيوان، وأرذل من الشيطان، وبينهم- ولَعَمْر الحقيقة- والتمدّن بون بعيد، إن استشرقوا استغرب التمدن، وإن استغربوا استشرق، فرّ منهم فرارك من الأسد، فإنهم أضرّ على الإنسان من الآكلة للأبدان.
وأكرر التماسي ووصيتي أن تذكرني عند ربك- تعالى شأنه- ذكراً جميلًا (رَبَّنا آتنا في الدّنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقنا عَذابَ النّار) وجَنّبنا عن مخالطة السّفَلة الأشرار بحقّ محمد وآله الأطهار- صلوات الله عليهم.
حرّره العبد العاصي المذنب السيد روح الله بن السيد مصطفى الخميني، غفر الله تعالى- لهما وجزاهما وإخوانه المؤمنين جزاءً حسناً. في صبيحة يوم السبت لثلاث بقين من ربيع المولود سنة أربع وخمسين وثلاث مئة بعد الألف من الهجرة القُدسية النبوية- صلى الله عليه وآله. (صحيفة الإمام، ج1، ص: 36-38)