بقلم: سيد محسن موسوي زاده
لقد أرسى الإمام الخميني (رحمه الله) دعائم حكومة إسلامية متكاملة بعد انتصار ثورة الشعب الإيراني في عام 1979م، حينما كان العالم يرضخ لسلطة قطبي الشرق والغرب، فاثبت إمكانية استقلال الشعوب واتكاءها على قابلياته الذاتية دون الحاجة إلى التبعية للأجنبي لو أنها انتفضت ضد الظلم والطغيان.
ومن هذا المنطلق فإن الإمام الخميني (رحمه الله) انتهج سياسة خارجية تختلف بالكامل عما هو عليه الحال في سائر البلدان، وهتف الشعب الإيراني آنذاك بشعار (لا شرقية لا غربية جمهورية إسلامية)، وأكد أن إيران تطمح إلى اتباع سياسة مستقلة عبر اتحاد جميع الشعوب الرازحة تحت نير الاستكبار العالمي، وهذه السياسة لها أصولها الخاصة التي تضرب بجذورها في التعاليم الإسلامية، كتطبيق قاعدة نفي السبيل استناداً إلى قوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ للكافِرينَ على المؤمِنينَ سَبيلاً) والدعوة إلى الإسلام وحفظ دار السلام والدفاع عن المظلومين ومقارعة الاستكبار وتصدير الثورة، وما إلى ذلك من أصول سمحاء، لأن الإمام الخميني (رحمه الله) يرى أن الإسلام وحدة واحدة وجميع مكوناته تنسجم مع بعضها وتختلف عن الأفكار المادية، حيث أكد نبذ الأفكار اللقيطة على جميع الأصعدة وبين جميع الفئات الاجتماعية، لأن هذه الأفكار تسفر عن رواج أفكار التقاطية وإيديولوجيات غريبة على البدن الإسلامي تؤدي إلى انحطاطه وسقوطه في هاوية الحضيض.
كما أن رؤية الإمام الخميني (رحمه الله) للعالم نابعة من منطلق توحيدي لكونه يعتقد أن جميع مكونات الكون تحمد الله وتسبحه وقد رأى انه مكلف باتباع منهجية النبي الخاتم (ص) بصفته قائداً للمجتمع الإسلامي، واعتبر ذلك واجباً دينياً لذلك لم يتجه وراء الفكر الغربي ولا الشرقي مطلقاً، حيث أدرك فناء كل ما هو ليس لله تعالى.
قبل انهيار الاتحاد السوفييتي لم يكن احد يتحدث عن ذلك من منطلق انه أمر شبه مستحيل، لكن الإمام الخميني (رحمه الله) بعث رسالةً إلى الرئيس السوفييتي حينذاك ميخائيل غورباتشوف وتنبأ بسقوط هذا العملاق العظيم، ودعا زعماءه إلى اتباع سبيل الحق وقال: "السيد غورباتشوف، الجميع يعلمون أن الشيوعية منذ هذه اللحظة يجب أن توضع في متاحف التاريخ السياسي العالمي" ولم تمض مدة طويلة على تلك الرسالة التاريخية حتى ذهل العالم بسقوط الاتحاد السوفييتي.
فيا ترى ما السبب الذي أدى إلى تحقق ما تنبأ به الإمام الخميني؟ بطبيعة الحال يجب تتبع جذور هذه القضية في رؤيته الإيديولوجية، حيث إنها توحيدية لا تجعل الماديات محوراً لها، بل تراها مجرد أمور هامشية يمكن الاعتماد عليها إلى جانب مقومات السعادة المعنوية.
ومن الأمور الأخرى التي تنبأ بها الإمام الخميني (رحمه الله) انقلاب نظام البعث الصدامي على من قدم له الدعم اللامحدود أيام حرب الثماني سنوات المفروضة على إيران، ولاسيما الكويت التي لم يتوان حكامها آنذاك عن تقديم أي دعم للدكتاتور صدام، وقال: "اجتنبوا هذه الأفعال لان نار الفتنة سوف تحرقكم يوماً ما ..." وبالفعل فقد اجتاح صدام الكويت واحرق الحرث وأباد النسل فيها.
وقد كان الإمام الخميني (رحمه الله) يمتلك معرفة تامة بالشعب المصري وجذوره التاريخية وتعلقه بالإسلام الحنيف ومقارعته للقوى الاستكبارية، فأكد أن هذا الشعب الحر سوف ينتفض يوماً ضد حكامه الظلمة ويجعلهم في مزبلة التاريخ، حيث قال: "ليخرج الشعب المصري إلى الشوارع وليلقي بهذه النفايات الأميركية خارج دياره ... فهذا الرئيس الذي تسلط على رقاب الشعب المصري – حسني مبارك – يتصور انه سيحكم كخلفه أنور السادات فجعل نفسه في خدمة الولايات المتحدة بالكامل وقبل أن يتقلد الحكم أعلن عن تبعيته لـ "إسرائيل" وأميركا، لكنه غفل عن أن سلفه الطالح ذهب إلى جهنم وبأس المصير بعد أن سخط عليه الشعب". وبالفعل تحقق ذلك وأطيح بالدكتاتور حسني مبارك بعد ثورة الشعب المصري التاريخية.
وهناك الكثير الكثير من الأقوال الحكيمة للإمام الخميني (رحمه الله) التي تعكس عمق فكره وسمو إيمانه بالله تعالى الذي انعكس على مختلف شؤون حياته، وكانت السياسة ابرز ميدان تجلت فيه هذه الخصال السمحاء التي لم يشهد العالم المعاصر نظيراً لها.