خطاب الإمام الخميني (رض) بمناسبة مجزرة مكة يتم نشره في ذكرى هذه المجزرة الاليمة الذي قام بها آل سعود المجرمون:
نحن لا نعدل شيئاً أمام الله تعالى
نشكر الله تبارك وتعالى أن لم يجعل لنا ملاذاً سوىذاته المقدسة برغم كل هذه المصاعب التي وضعت في طريقنا والتي سوف تستمر، كل ما هو موجود وما سيوجد منه تعالى، ولسنا إلا خدمة نطلب التوفيق منه، ينبغي أن نلتفت جيداً إلى هذا الموضوع.
إن لم تشملنا الألطاف الإلهية فلسنا بشيء، كما لم نكن شيئاً يذكر منذ الأزل وسيؤول بنا المطاف إلى الفناء، لكنّنا نعيش حالة من الغفلة ونتصور أنّ قيمتنا كبيرة، وهذا يشكل حجاباً بيننا وبين الخالق فنأمل منه تعالى أن يزيل هذا الحجاب لنعرف من نحن؛ «اللهم أرني الأشياء كما هي».
إذا رفع ذلك الحجاب يدرك الإنسان عدم وجود شيء غيره تعالى، فالخلل كل الخلل يكمن في الحجاب، ونسأل الله تعالى أن يهبنا توفيق المعرفة وتوفيق خدمة خلق الله.
مشاكل الدولة الإسلامية
أنا على بينة من المشاكل التي تواجهها الحكومة والموظفون فيها كما إنّكم علىبينة من ذلك، وأنا أعلم بأنّ الفئات ذات الصلة بالدولة أوفى الفئات وأكثرها حرماناً في نفس الوقت، ففيما تعيش حياة الزهد والفاقة تمتلك اقتداراً معنوياً عالياً، وكلما ازدادت الحياة جلالًا تضاءلت القدرة المعنوية.
من المسلم به أنّ كل خطوة للدنيا نحو الإنسان تجبره علىالتقهقر، فمن يعيش في قصور فخمة أكثر قلقاً واضطراباً من الزاهدين الذين يعيشون في المناطق الشعبية.
نحن نشكر الله تعالى أن جعلنا بشكل الزهاد والفقراء فلسنا زهاداً واقعيين، ونحن نعتبر تقديم الخدمات لله جل وعلا ولعباده من أهم واجباتنا، وسوف نجتاز العقبات والصعاب بعونه تعالى، وكما صمدنا طيلة هذه المدة وصمد الجميع بوجه الصعاب سنصمد أمام كافة المشاكل المقبلة، وأنا أدعو لكم بالتوفيق.
هناك بعض ممن يقطن خارج البلاد يقدم الإشكالات والإيرادات؛ لأنّة لا يعيش في قلب الحدث، حيث إنّ الإشكال أمر يسير، أما تقديم الحلول لهذه الإشكالات فهو عمل شاق.
يجلس البعض في الخارج ويطلق التصريحات ويقول: لماذا لم يحصل الشيء الفلاني؟ لماذا لم ينجز المشروع الكذائي؟ لكنّ أولئك لم يدخلوا إيران ليروا المشاكل والصعاب عن كثب، ففي هذه الظروف الحرجة ابتليت الحكومة وإيران علىالعموم بشتىأنواع المصائب والمحن، وتعبأت جميع الدول باستثناء شعوبها لمحو الجمهورية الإسلامية، أي تسعىجاهدة لمحو الإسلام وطمس معالمه، في الوقت ذاته أيدنا الله تعالى وأبدينا ثباتاً وصموداً وسنبدي ذلك في المستقبل أيضاً إن شاء الله.
هجوم النظام السعودي على الحجاج الإيرانيين في مكة
ما أردت التعرض له اليوم هو القضية المؤلمة التي حدثت في مكة، نحن قدمنا العديد من الشهداء في سبيل الله ومن أجل إنقاذ هذا الشعب منذ أوائل الثورة، سواء من استشهد قبل الثورة أم الذين سقطوا أثناء وبعد الثورة المباركة، لكنّ موضوع الحجاز يختلف عن كل المواضيع.
نحن تعرضنا لأنواع من الظلم والتعدي وقدمنا عدداً كبيراً من الشهداء في أماكن متعددة، ففي زمن رضا شاه تحملنا مختلف أنواع القسوة والشدائد، والكثير منكم على علم بما جرىآنذاك، وفي زمن محمد رضا أيضاً وكما تعلمون جميعاً وصلت المعاناة حداً لا يطاق واستمرت قوافل الشهداء بالسير قدماً نحو الهدف السامي.
إنّقضية الحجاز تختلف عن كل ذلك، فبرغم أنّ موضوع القدس موضوع عظيم، وقد رأيتم ما حدث بأم أعينكم، إلا أنّ يوم القدس يغاير يوم الجمعة الدموي في مكة؛ لقد أعلنا يوم القدس العالمي لتحرير القدس من المغتصبين وإعادته إلى أصحابه.
فقدنا الكثير من الأحبة في هذا التداعيات والاغتيالات، وأنا أعتقد أنّ تراب أقدامهم أفضل من الأمراء وسكان القصور، وفي كل تلك الأمور كنا نصول ونجول ويصال علينا أيضاً؛ كذلك فقدنا العديد من الأعزة في حربنا المفروضة مع صدام وتكبدنا الكثير من الخسائر، برغم كل ذلك يبقي موضوع الحجاز متميزاً.
نحن مازلنا راقدين، والعالم راقد كذلك ولم يع ما حصل في الحجاز، أذ هتكت حرمة أقدس الأماكن الإسلامية؛ ليست الكعبة تحظى باحترامنا فقط، لا وليس المسلمين فقط، بل تحترمها كافة الشعوب المعتقدة بالدين، كانت الكعبة ومازالت رمزاً للقدسية منذ زمن سحيق وعلىتعاقب العصور والأزمنة، وحظيت باحترام كافة الأنبياء.
هتك حرمة الكعبة موضوع لا يمكن تجاهله والمرور عليه مرور الكرام، فان تنازلنا عن موضوع القدس وصفحنا عن صدام وعن كل من أساء لنا لا نستطيع السكوت عن موضوع الحجاز، فموضوع الحجاز يختلف عن بقية المواضيع.
ينبغي إحياء هذا اليوم، أي اليوم الذي أسيء فيه للإسلام، ونحن على أبواب شهر محرم المليء بالأحزان، ففي هذا الشهر صار سيد الشهداء (ع) ضحية أيضاً ولم يبق في مكة خشية أن تنتهك حرمتها.
يضحي الجميع من أجل مكة؛ لأنّها مكان مقدس وحظي باحترام الأنبياء كلهم، أما الآن فقد ابتليت مكة بحفنة من الملحدين الذين لا يعرفون ما ينبغي فعله، والخزي والعار لجميع المسلمين في العالم إذ جلسوا يتفرجون علىهتك حرمة أقدس بقاع العالم ولم يحركوا ساكناً، فيجب إحياء هذه القضية خاصة في شهر محرم، وينبغي أن يجعل أصحاب المنابر والرثاة ومواكب العزاء هذه القضية في صدر مواضيعهم، فقد استشهد الإمام الحسين (ع) من أجل هذا ومن أجل إقامة العدل الإلهي وصيانة بيت الله؛ إلى متىالقعود والتفرج؟ وما هو الواجب فعله؟
طبعاً يجب التنبيه على موضوع هو أنّ وجوب مواجهة هذه القضية لا يعني التعرض للسعوديين والكويتيين وغيرهم الذين يقطنون في بلادنا؛ إنّ هؤلاء يعيشون في كنفنا ويجب المحافظة عليهم.
يتحلىشبابنا بصدق النية لكن يجب أن أنبههم إلى إمكان وجود أشخاص يفتقرون إلى صدق النية المعهود لديكم، فيرغبون بتشويه سمعة إيران؛ يجب أن تلتفتوا إلى أنّ الموضوع أعمق من ذلك بكثير، فينبغي أن نقوم بحشد كل طاقاتنا وأن يعبأ المسلمون وكل الموحدين كافة طاقاتهم لمجابهة هذا الموضوع بالشكل الذي يرونه مناسباً.
قتل الحجاج مؤامرة مدبرة
لا شك أنّ هذه المؤامرة أعدت سلفاً ودبرت مسبقاً، وقد قرروا حصول هذا الأمر وفرضوا على آل سعود الأغبياء القيام بهذا العمل الطائش مما جعلهم منحطين بأعين العالم بأسره.
واقعاً لا ندري ماذا نفعل! إنّ لله بيتاً يحميه لكنّه تعرض لضربة من المسلمين ومن الحجازيين على وجه التحديد، لا أعتقد أنّ الحجازيين علىعلم بهذا الموضوع عدا بعض الزمر ذات الصلة بهذا الحزب الباطل وهذه الحكومة الباطلة.
لم يسبق أن يرسل الملك السعودي لي نداءاً قبل إيفاد الحجاج ويبدي فيه شكره على قولي بوجوب المحافظة علىالهدوء والاستقرار هناك، وهذا علىخلاف عادته، فلماذا أرسل لي نداءاً؟
لأجل أن يقول لاحقاً لم أكن أقصد شيئاً، وهذا النداء يمثل سلامة نيتي؛ أفضل دليل على أنّ الموضوع مدبر هو كيفية عملهم، لقد أقرو بهذا المعنى، يقولون؛ كان الإيرانيون ينوون حرق الكعبة ويجعلون قم كعبة لهم، ومن قبيل هذا الكلام الغبي، وبهذا تتضح نواياهم الدفينة ونحن على أهبة الاستعداد لأن نلقنهم درساً لن ينسوه، ليس الموضوع مرتبط بالقتل فقط، بل هو هتك حرمة.
إنّلقضية الحجاز أبعاداً مختلفة، لكنّ البعد المهم هو هتك حرمة مكان مقدس، ولن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي أمام ذلك، وسيعلم فهد وأمثاله لاحقاً ما حجم الجريمة التي نفذها تلبية لأسياده.
لو إنّ هذه الجريمة البشعة وقعت في الطائف لأمكن تحملها؛ لأنّ الطائف ليست كالكعبة، ومن جهة أخرىقتل منا الكثير في الحروب وقبلها وبعدها، وهذا يهون الخطب علينا، لكنّ هذه الجريمة وقعت في حرم الله الآمن، وهو الآن مغصوب بأيدي هؤلاء المجرمين، من هؤلاء كي يلقبوا أنفسهم بخادم الحرمين (خائن الحرمين)؟ ومن جعلهم خداماً للحرمين؟ بأي مبرر غير أولئك اسم دولة إسلامية من الحجاز إلى المملكة السعودية؟ ما المناسبة لهذا التسمية؟ كل هذه أمور متشابكة ولا نعرف كيف نغسل هذا العار.
لقد تحملتُ كثيراً من الأمور كالحرب وأمثالها، لكنّ صبري بدأ ينفد إزاء هذا الموضوع، نسأل الله تعالى أن يحل المشاكل بقدرته ويوفقنا إلى التغلب على عدم الاكتراث، ويوفق المسلمين لذلك في شهر محرم الحرام.
نسأل الله أن يوفق الجميع، ويوفقكم لخدمة عباد الله الذين كانوا ومازالوا مظلومين، ونحمد الله أنّكم من هذه الطبقة المستضعفة أي الطبقة الممتازة، ولستم من الطبقة العليا، وفقكم الله جميعاً لهذه الخدمة.
والسلام عليكم ورحمة الله
-------
التاريخ :صباح اليوم 27 من ذي الحجة 1407 هـ. ق / 1 شهريور 1366 هـ. ش.
المكان: طهران، جماران
الحاضرون: السيد علي الخامنئي (رئيس الجمهورية)، ميرحسين الموسوي (رئيس الوزراء) وأعضاء الهيئة الحكومية
صحيفة الإمام: ج20، ص294.