باحث بريطاني، كان له باع طويل في معرفة فقه اهل السنة.. اراد ان يتوصل الى درك كامل لكيفية التعامل مع القضايا المعاصرة على ضوء المنابع الدينية.
اضافة الى من كان يلتقي بالامام (قدس سره) من اصحاب السياسة الايرانيين والاجانب، كان سماحته يلتقي ايضاً بشخصيات غير سياسية، من بينها شخصيات علمية، دينية ومن المحبين لايران والمؤيدين لحركات التحرير، الذين يقفون الى جانب الثورة ونضال الشعب الايراني.. ولعل البعض منه، يرمي الى كسب معلومات اكثر حول برامج الامام (قدس سره).
كان من بين تلك الشخصيات باحث بريطاني.. كانت لديه معلومات ومعرقة واسعة بالقرآن الكريم ومنابع العلوم الاسلامية وفقه اهل السنة، الاّ انه لم يكن على معرفة تُذكر بالنسبة (لعلوم) الشيعة، وقد تعجب عندما عرض الامام، تأسيس حكومة على اساس الاسلام، حيث تبادر الى ذهنه، كيفية التعامل مع قضايا العالم المعاصرة، حسب النظرية الدينية!.. هل ان مايتماشى مع مبادئ الحكومة والشؤون الاجتماعية، ولايهتم به الدين.. مُوافِقاٌ لكم؟ (يقصد بذلك الامام الخميني (قدس سره).. ام ان ذلك، سينطبق على سيرة رسول الله (ص) وعظماء (الدين) ومدارس الفقه الاسلامي؟.. اجابه الامام، موضحاً مسألة الاجتهاد في الفقه الشيعي، ودور العقل في استنباط الاحكام الالهية.. كان جواب الامام (قدس سره) بالنسبة للباحث المذكور، رائعاً جداً.
اشار الامام، الى الاحكام الاولية والثانوية، قائلاً: اذا ما اردنا تمحور الاساس والاصل للحكومة، وتشكيل حكومة اسلامية طبق ذلك المحور، يتوجب أن يكون كل شيء في خدمة الحكومة، واذا، اعطينا (الاصالة) للحكومة.. فعليه، ان تسير الفروع والاحكام جميعها، على مسار تضمين منافع هذه الحكومة، فاهداف الحكومة المذكورة، هي، توفير منافع الاجتماع والامة الاسلامية. حيناً، عند اقتضاء الضرورة، ومايناسب المصلحة العامة، نقدم بتغيير بعض الاحكام، حتى الاحكام الاولية.
سأل الباحث البريطاني: اذا ما قمنا بهكذا مبدأ للأحكام، لايبقى شيء من الاصول! خاصة اذا اردنا ان نبرر كل شيء وننفذه باعطائه صفة (المصلحة)!
اجاب الامام: ان قضايا ومشاكل مجتمع ما، يرتبط بالخبراء واهل المعرفة للقيام بدراسة ذلك حسب مالديهم من معلومات علمية مناسبة، فعندما يضع هؤلاء منافع المجتمع نصب اعينهم، لابُدلهم من القيام بمعرفة مايحتاجه العصر ودراسة القضايا المتعلقة بذلك حينها تكون معرفة وتعيين الحكم بسيطة! في الحقيقة، اعطى الامام (قدس سره) اهمية كبيرة، لنظرية الدراسة والبحث المرتكزة على العلم المعاصر، في تعيين واستخراج الاحكام الدينية. اورد سماحته، مثالاً لذلك، حيث قال: نفرض، شلل الاطفال، وهو، ما يحتاجه المجتمع للنظرفيه، فاذا اردنا، ان نقوم يما يتوجب علينا حول ذلك، قد لانجد شيئاً في المنابع الفقهية للاستنباط! اما،اذا جعلنا المصلحة العامة والحكومة، نصب اعيننا، نصل الى ان الوقاية من الامراض ومن بينها الشلل، ضرورة لابُد منها، لذا، نتجه الى طريقة علمية للوقوف بوجهه.. والحل هو مايراه الخبراء.. هذا واجب وحكم شرعي.. يجب تنفيذه كسائر الواجبات.
بعد هذا اللقاء، ذهبت بمعية الباحث المذكور ووالدي الى مطعم قريب لتناول الشاي، كان الباحث، مولعاً جداً بنظرات الامام (قدس سره) الفقهية والاجتهادية، جيث بدأ بالتحدث الى والدي حول هذا الموضوع. قال له والدي، مكملاً ماتحدث به الامام: بشكل عام، سوى الاحكام العبادية المرتكزة على القرآن الكريم والسيرة وسائر المنابع المأخوذة عن المعصومين (ع)، فان الاحكام المرتبطة بالشؤون الشخصية للفرد والمجتمع وقضايا المجتمع، عامة، سواء الشؤون الاقتصادية، القضائية، الثقافية والحقوقية، او القضايا العالمية والسياسة الخارجية، يجب ان تنبع من (عقل الصالحين)... هذا، في الواقع، تأييد نظرية الامام(قدس سره) فيما يتعلق بـ (تدخل) عنصري الزمان والمكان في الاجتهاد واستخدامها حتى في احكام الاسلام الاولية.
عُرضت قضايا كثيرة في هذا المجال.. ادت الى تحوّل كبير لدى الباحث المذكور.. واعتقد انه نشرعدة مقالات في بعض الصحف حول ذلك.
مقتطفات من (خواطر سياسية- اجتماعية)- الدكتور صادق الطباطبائي، ج3، ص123-124-الطبعة الثالثة- طبع ونشر(عروج)- بالفارسية.