كان العالم في اعتاب البعثة غارقا في شتى الاساطير والرؤى الجاهلية ولعله لم يكن في ذلك العصر مكان من العالم قد شاع فيه إتّباع الاساطير والمفاسد الاخلاقية والاجتماعية كما كان في الجزيرة العربية. الناس في ذلك العصر كانوا ومن دون ان يشعروا بأمسّ الحاجة الى المعنويات والاخلاقيات وكانوا يحترقون بنار الظلم وعدم المساواة وهدر الحقوق الانسانية.
«.. ما ينبغي أن نلتفت إليه في يوم المبعث النبوي هو ان بعثة رسول الله هي من أجل أن يتعرف الناس على سبل مقارعة الظلم وإزالته، والسبيل الذي تتمكن الشعوب من خلاله مواجهة القوى الكبرى .. البعثة هي من اجل إنقاذ أرواح الناس وتهذيب أخلاقهم ونفوسهم، واخراجهم من الظلمات .. ونبذ الظلمات تماماً واحلال النور، احلال نور العدالة وتحديد السبيل إلى ذلك .. البعثة من أجل أن يدرك الناس جميعاً، المسلمون جميعاً، بأنهم إخوة ولا بد لهم من السعي لتجسيد الوحدة ونبذ الفرقة.» (صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج17، ص: 354)
هنا نشير الى بعض واَهم علل واسباب بعثة الانبياء وعلى رأسها بعثة الرسول الاكرم صلى الله عليه وعلى اله.
1- ثورة القيم:
بعد بعثة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله، تحولت كلّ من القيم الدارجة في المجتمع والتي كانت ضد مصالح الناس دنيا واخرة، تحولت الى قيم انسانية والهية. تحول إتّباع الاساطير الى البحث عن الحقيقة والحرب ونزيف الدماء والظلم الى القسط والمساواة وتحول اولئك الذين كانوا يُعدّون ظاهرا بمستوى دان في المجتمع، الى اناس موثوقين وذوى مكانة اجتماعية رفيعة. لقد اعطت كل القوانين والمعايير الظاهرية والمادية مكانها الى المعايير القيّمة والمتعالية.
2- تزكية وتربية الروح:
اِنّ من اهم علل بعثة الانبياء، تهذيب النفوس وإعداد اناس مؤهلين . يسعى الانبياء الى تحويل القوى الكامنة في الناس الى الفعل ومساعدتهم والسير معهم للوصول الى قمة السعادة والكمال، يمهدون لهم المسار للارتباط بمبدأ الوجود وما يبعث على تعاليهم.
3- الإيصال الى مقام العبودية:
وفقا للتعاليم القرانية ليس الهدف من خلق الانسان سوى عبودية الله الواحد وان كلّ النعم الالهية والاشياء المخلوقة في هذا الكون والمتاحة للانسان هي لأجتياز طريق العبودية . العبودية الكاملة هي أن لا يفكّر الانسان بشيء سوى الخالق المطلق للعالم والكمال المطلق ويسخّر كل أفكاره وأعماله في هذا المضمار. يقول الله تعالى (وما خلقت الجنّ والانس إلا ليعبدون).
4- تأصيل وحدة الناس:
حبل النبوة المتين هو الوسيلة الوحيدة التي تجمع الناس الذين ضاقوا ذرعا من التشتّت والخلافات، باحثين عن طريقة موثوقة لحل مشاكل حياتهم. من الاهداف المهمة لبعثة الانبياء، إنهاء خلافات الناس الناشئة عن الجهل، الغفلة، إتّباع الهوى والتعالي.
5- واسطة الفيض الالهي:
ليس سهل أن يرتبط الناس وهم في مستوى دان ٍ بخالق الكون وهو بأعلى درجات القوة والكمال والوصول إلى المقام اللامتناهي والعروج في سماء العرفان والمعنويات، إلا عبر الفيض ووسائل أقوى. يقول القران الكريم مشيرا إلى هذه المسألة (وإبتغوا إليه الوسيلة).
6-إحياء العهد المنسي:
يرى الانبياء واجبا على إنفسهم تذكير الناس بالعهد الفطري الذي نسوه . ذلك العهد القديم الذي لم يتقبله ويتعهد به من المخلوقات إلا الانسان وقد نساه إثر مرور الزمن والوساوس الشيطانية. ان الانبياء يعلّمون الناس إضافة إلى المعارف وبرامجهم الحياتية أن يرجعوا فيما يخصّ اصول الدين وعقائدهم المهمة إلى فطرتهم. عبّر القران الكريم عن الانبياء بعنوان (المذكّر) فهم يسعون الى هداية الناس نحو العهد الالهي والوفاء به وتلبية نداء عقلهم وفطرتهم.
7- إشاعة الفضائل الاخلاقية:
ان إحدى العلل والبواعث الاخرى لبعثة الانبياء هي إشاعة الفضائل الاخلاقية والصفات الانسانية المتعالية. لو راجعنا بشكل عام تعاليم النبي صلى الله عليه واله الالهية، لوجدنا أن اقواله وافعاله مُفعمة بالوصايا الاخلاقيّة والتربويّة.
8- إنشاء وتنمية العدالة الاجتماعية:
الناس بفطرتهم يهوون العدالة وأنّ أنزه المجتمعات هي التي تطبّق العدالة بكلّ حذافيرها . لقد تحدّ ث القران الكريم في عدة ايات عن سعي النبي صل الله عليه واله، لتحقيق العدالة والتي هي أحد اهداف البعثة حيث أخبر في سورة الاعراف عن مسعى النبي صلى الله عليه وعلى اله الخاص لتنفيذ العدالة (قل امر ربّي بالقسط).
قسم الشؤون الدولية
نقلاً عن مجلة (مبلغان) عدد19- بتصرف
1384هـش (2005م)