بسم الله الرحمن الرحيم
نحن على عتبة ثلاثة احداث هامة، تاريخية ومصيرية، في شهر ذي الحجة المبارك. يوم عرفة، وهو يوم الدعاء الذي اقترن به اسم سيد الشهداء عليه السلام، بما قام به من ثناء وتجليل وعرفان، بالنسبة للخالق عز وجل. فمن يقرا العبارات التي تفوه بها امام الاحرار والشهداء، الحسين عليه السلام، لا يمكنه قط استيعابها، بما تحمله من مضامين في شتى العلوم، لاول وهلة، مهما بلغ من العلم في مراحل متقدمة عليا. ذلك، لان من تلفظ بها وخاطب بواسطتها الله تعالى، عبد صالح من عباد الباري جل جلاله، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ...و الترتيب والنظم الذي جاءت به الاحرف المنيرة والكلمات الساطعة والجمل الاخذة بالالباب، ندر مثيله الى عصرنا الراهن. فالحسين الشهيد عليه السلام، تدرج في دعاء عرفة واصطفت الاحرف امامه مطيعة، مهطعة الرؤوس، اصطفاف الجند امام قائد محنك وخبير ! ... فالتقط منها ما ازاح الستار عن الاوهام، وما بدد الظلمات، واضعا النقاط عليها، لتتحول بلسان ابي الاحرار (ع) الى نجوم ثاقبة تبهر الابصاربنورها ... والى زهور يعم شذاها، يستنشقها الرائح والغادي، القريب والبعيد ...
وسهام قاتلة، لمن عميت قلوبهم وابصارهم وبصائرهم ... وهزات، ترج عقول النائمین، ليستيقظوا ويروا الحقيقة كما هي، لا، كما يصورها لهم الطغاة وازلام الشياطين ... وحقائق في علوم شتى، يقف امامها العقل البشري، مذهولا، خاصة فيما يتعلق بما يحتويه جسم الانسان من مكونات في غاية الدقة والنظم، لتتوضح في دعاء عرفة المبارك، عظمة الخالق تعالى، وتتجلى بصورة رفيعة، لا لبس فيها كالشمس في رابعة النهار، وتنطبق هذه الاية الشريفة .." ... وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ..." _ 1_
بكل مضامينها. قال الامام الخميني (قدس سره) حول ماورد في الدعاء المذکور، مشيرا الى ان استخدام العبارات فيه.، صعب " حتى بالنسبة للضالعين في العلم والعرفان. وكمثال على ذلك عبارة، ايكون لغيرك الظهور ... حتى كلمة، ما ليس لك. فهذا التعبير يختلف عن عبارة، هو المظهر ... فعبارة، ايكون لغيرك الظهور ما ليس لك، تعني : ظهور الجميع منك فقط، من ظهورك. تمثلا لمعنى عبارة، متى غبت حتى تحتاج الى دليل ...؟. فانك لم تكن غائبا في اي وقت، منك نستدل على وجود الاخرين، ولا يمكن الاستدلال بالاخرين لاثبات وجودك... " _2 _ ... اليس هذا كله من نعم الله تعالى على الانسان ؟ ... لماذا اذن، يجحدالانسان ما انعم الباري جل جلاله عليه ؟
ونحن، ايضا، على ابواب عيد الاضحى ورجم الشيطان وخلع ما لبسناه من اثواب الذنوب، والتقرب الى المعبود الاول والاخر، بالبسة بيضاء ناصعة، اي، اننا تخلينا مما اعتدنا عليه من جلابيب سود، لنصبح من الان فصاعدا، عبادا لك وحدك، لا نعبد غيرك، قولا وعملا، فاهدنا الى الطريق القويم، المستقيم، بعفوك ورحمتك.
فـ" العيد السعيدو المبارك في الحقيقة، هو اليوم الذي يفيق فيه المسلمون من رقدتهم، ویؤدي علماء الاسلام في انحاء العالم واجباتهم، بانقاذ مسلمي العالم من سطوة الظالمين والناهبين لخيرات البلدان المختلفة وثر واتها ولا يتحقق هذا الهدف الكبير، الا حين يعرضون احكام الاسلام بكل ابعادها المختلفة، على الشعوب المستضعفة ويعرفونها بالاسلام الحقيقي." _ 3_.
اما الحدث الثالث، فهو عيد الغدير الاغر ... عيد الولاية والوصاية، وولاة الامر الصالحين، السائرین على ما احله وحرمه الله تعالى، الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ف " انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ویؤتون الزكاة وهم راكعون ." _4 _... حيث تلخص كل ذلك في اسد الله الغالب، امير المؤمنين، علي بن ابي طالب عليه السلام. ولو تمسك المسلمون الاوائل، خاصة، بنعمة الولاية، وهي من نعم الله تعالى، لما اصابهم ما اصابهم ... الى اليوم.
ان " عيد الغدير هو من اكبر الاعيادالدينية. فهو عيد المستضعفين وعيد المحرومين وعيد المظلومين في العالم اجمع. العيد الذي اختار فيه الباري تبارك وتعالى امير المؤمنین ( ع) بواسطة الرسول الاكرم ( ص)، لتطبيق الاهداف الالهية وتبليغها ومواصلة طريق الانبياء ... من المؤسف ان ايدي الخيانة عن طريق الحروب التي اثارتها واشعلت نيرانها، عند تصدي الامام عليه السلام للامور، حالت دون ظهور الشخصية الحقيقية، لهذا الرجل العظيم بمختلف ابعادها ... " _ 5 _.
________
1_ 18، سورة النحل.
2_ صحيفة الامام العربية، ج 18، ص 108.
3 _ نفس المصدر، ج 19، ص 25.
4_ 55، سورة المائدة.
5_ صحيفة الامام العربية، ج 19، ص 59.
______
د. سيد حمودخواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (قدس سره).