بسم الله الرحمن الرحيم .
" ... الا ان نصر الله قريب ... "_ ٢١٤، البقرة .
لم تكن قضية فلسطين السليبة، التي لا تزال تنزف منذ ١٩٤٨، قضية أرض مغتصبة او شعب مشرد، تكالبت عليه قوى الامبريالية العالمية المشؤومة، وعلى رأسها الاستعمار الأمريكي البغيض، الذي هو بدوره الموجد الأساس، والراعي الأكبر للصهاينة المتوحشین السفاحین، بعد ان قل دور بریطانیا الاستعمارية العجوز، فحسب، بل هي في الحقيقة والواقع، قضية الإنسانية بجميع اطيافها. فالمتتبع للتاريخ الإنساني ومسار الحوادث الخارقة التي غيرت، بنوع ما، خارطة العالم، يرى بوضوح تام، كيف قامت شرذمة من الانجليز، بادئ الأمر، بغزو قارة أمريكا الشمالية بعد اكتشافها، واستقر بها المطاف فيما يسمى حاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تكن أرضا خالية من السكان ! حيث كانت تسكنها قبائل كبيرة من الهنود الحمر، متنعمة بما تغدقه عليهم أرضها المعطاء، رغم ان الصراع بينهم كان على قدم وساق، آنذاك، مما اتاح الفرصة الذهبية، للمستعمرين الغرباء، الذين دنسوا أرضهم، للانقضاض عليهم وابادتهم، اللهم الا ما ندر، ولم يسمحوا لهم حتى بالبقاء للتعايش السلمي مع المستوطنين الغزاة ! ولم يبق منهم في عصرنا الراهن، غير مجموعات صغيرة متناثرة هنا وهناك ! وبعض اسماء لقبائل منقرضة، تقريبا، ک (أباجي ) التي سميت إحدى الطائرات العمودية باسمها ! ... ناهيك عما اقترفه الغربيون الطغاة، الذين غزوا بلاد الاسكيمو التي يطلق عليها (كندا) ! وفعلوا ما فعلوا بسكانها الأصليين وخاصة أطفالهم، الذين انتزعتهم الكنيسة منهم، بذريعة تربيتهم وتثقيفيهم ! ثم اودعتهم مقابر جماعية في باحاتها وادعت انهم فروا ! ولا يزال العالم مبهوتا، عند اكتشاف مقابر الأطفال الجماعية، الواحدة تلو الأخرى، ولم يهز ذلك ضمائر المدعين بالديانة المسيحية ! ... وقارة أستراليا، أيضا، وأراد الامبرياليون الغربيون المتوحشون، ان يجعلوا أفريقيا الجنوبية كذلك، ويحولوا شعبها إلى عبيد لهم لا سيما في عهد إيان سميث، رئيس الحكومة العنصرية، يومئذ، في هذا البلد الافريقي، لكن صناديد الرجال وقفوا بوجوههم، وزمجروا كأسود أفريقيا الكاسرة، وعلى رأسهم نيلسون ماندلا، وانتزعوا بلادهم بعد صراع دموي مستمیت، من العنصريين الغرباء، الذين توافدوا على أفريقيا الجنوبية من كل حدب وصوب، كما توافدوا قبل ذلك على أرض الهنود الحمر (أمريكا)، والاسكيمو (كندا) واستراليا. وما حدث في فلسطين المقدسة، هو امتداد للحركة الاستعمارية، الاستيطانية المتواصلة، ضد المسلمين خاصة، والحبل على الجرار ... فأي مكان دنسته أمريكا، لم يعد ترابه طاهرا، طيبا الا بطردها وإزالة ما لوثته اقدامها القذرة، والتاريخ يشهد بذلك، وأقرب شاهد إلينا، هو أرض العراق المقدسة. فمذ وطأت قدماها الأرض، بحجة إسقاط النظام البعثي وقائده المهزوم، المذعور والمتواري بحفرة كالجرذ، لم يشهد الشعب العراقي العظيم، راحة وهدوء، مما قامت به الامبريالية الأمريكية، من قتل، سطو، ابتزاز وإشاعة للجريمة المنظمة، وخلق مجموعات موالية لها وللصهاينة، لتقطيع العراق الصامد إلى دويلات متناثرة، متناحرة، أو بالأحرى محميات ومستعمرات، تاتمر بامرها، كما هو الحال وضع المحافظات الشمالية في العراق !. فليس (اذن) من العجب ان يقوم (الشيطان الأكبر) بدعم قطعان الصهاينة وتزويدهم بأنواع الأسلحة الفتاكة، لابادة كل ما دب وهب على أرض غزة الشرف، وقد قالها الامبريالي العجوز، المخرف بايدن، في زيارته الأخيرة إلى الأراضي المقدسة المحتلة، بأنه لو لم تكن (إسرائيل) موجودة، لأوجدناها !، فهذا ان دل على شيئ، إنما يدل على صراع ازلي، ابدي بين الحق والباطل، النور والظلام، والإنسان والحيوان الوحشي. أما العصبة الصامدة، المنتصرة بإذن الله تعالى، والمؤمنة بالواحد القهار، فهي المخاطبة بقوله عز من قائل : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الإعلون ان كنتم مؤمنين " ١٣٨، آل عمران. لقد اثبتت الوقائع والأحداث، ان مجاهدي حماس والجهاد الإسلامي، وباقي الفصائل المناضلة، عود صلب لا يمكن ثنيه او كسره، مهما كانت الوسائل والأسباب والدوافع ... فمقاومة المعتدي الاثيم، الذي دنس الأرض المقدسة، واجب شرعي وانساني تعترف به وتأمر، كافة الشرائع السماوية على اختلاف مشاربها ،و مقاتلة الذين اغتصبوا فلسطين، فريضة لا يمكن انكارها، فهم ما يسمى ب ( المستوطنين ) المدعومين من الصهاينة والامبريالية العالمية، وكلهم جنود يحملون السلاح، لاراقة دماء الفلسطينيين الزكية الطاهرة، سواء من المسلمين، المسيحيين او اليهود، فالله تعالى يحب المجاهدين، المقاتلين في سبيله، حيث وصفهم جل جلاله بقوله : " ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص. " ٤، الصف. والمتصفح لنهج البلاغة وما نطق به فاتح خيبر، يدرك تماما، ان استباق مقاتلة المعتدين على الأرض والعرض، لا بد منه. قال (ع) : " اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم، الا ذلوا " خ ٢٧، نهج البلاغة. وبالنسبة للجهاد فأمر واضح كالشمس في رابعة النهار، لا لبس فيه ولا مراء، لأن المجاهد، السائر على طريق التوحيد، علما وحقيقة، تفتح له أبواب الجنان، خالدا فيها، ويعد من أولياء الله تعالى. " اما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة اوليائه. " نفس المصدر. ان الذي نشاهده، اليوم، عند المجاهدين الفلسطينيين، هو كذلك باذنه عز وجل، وما تدفق المستعمرين الاوربيين، من بايدن، إلى شولتس، المستشار الألماني، سوناك رئيس الوزراء البريطاني، ماكرون الرئيس الفرنسي، وزعماء كندا وإيطاليا، الا دليل على الضربات الموجعة الشديدة، التي يتلقاها الصهاينة، وتهاوي أسس الكيان الصهيوني المؤقت، الذي تنبأ بخطره، منذ سنوات مضت، مفجر الثورة الإسلامية، الإمام الخميني (قده)، حيث قال : " يجب أن يعلموا بأن هدف الدول الاستعمارية الكبرى، من إيجاد (اسرائيل) ليس احتلال فلسطين فحسب، بل ان جميع البلدان العربية سوف تبتلي بمصير فلسطين والعياذ بالله ان سنحت لهم الفرصة " صحيفة الإمام العربية، ج٢، ص٤٢٥. من الغريب في الأمر، ان ستين بالمائة من نفط الصهاينة القتلة، تؤمنه دولتان اسلاميتان ! كما أشارت إلى ذلك مصادر اعلامية موثقة. فهل يا ترى، دواء لهذا الداء العضال الذي اصاب الأمتین الإسلامية والعربية خاصة، الا وهو الذلة المميتة، التي تلف بعض حكام العرب، الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس للشيطان الأكبر، وربيبته المدللة في الشرق الأوسط ! فلابد، اذن، لهم من الانصياع لما يامره الشيطان، وتنفيذ ما يريد، للحفاظ على عروش متهرئة، تلعب بها الرياح ! و" عجبا لهؤلاء البشر، فكل يوم يمضي على الكارثة المروعة، لاغتصاب فلسطين، يزداد صمت ومساومة قادة الدول الإسلامية، ومجاراة إسرائيل الغاصبة، حتى وصل الأمر، إلى أن شعار تحرير بيت المقدس، لا يتناهى إلى الاسماع ! " المصدر السابق، ج٢٠، ص٢٦٦. وقد صدق من قال :
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها إضاءت
ولكن انت تنفخ في رماد. عمرو بن معدي كرب بن ربيعة، عاش في الفترة بين عامي ٥٢٥ و٦٤٢ م. لا يزال النداء المدوي، المزلزل للارواح، القلوب والضمائر، الذي أطلقه الإمام (قده)، صارخا، مهيبا بالمسلمين، بل وكل من يعتز بانسانيته " ان قضية القدس ليست قضية شخصية، وليست مختصة بدولة معينة لوحدها، ولا تخص المسلمين المعاصرين، بل هي قضية تخص جميع الموحدين والمؤمنين، في جميع العصور الماضية والحالية والقادمة، منذ اليوم الذي بني فيه المسجد الأقصى وحتى وجود هذا الكوكب في عالم الكون، وما أقسى على مسلمي العالم في العصر الحاضر، ان يتجرأ حفنة من الاوباش عليهم، مع امتلاكهم هذه القدرات المادية والمعنوية. " صحيفة الإمام العربية، ج١٦، ص١٤٥. لقد انبثقت طلائع المقاومة، على أيدي ( أطفال الحجارة ) الذين :
بهروا الدنيا
وما في يدهم الا الحجارة
واضاؤوا كالقناديل
وجاؤوا كالبشارة.
*
قاتلوا عنا
إلى أن قتلوا
وبقينا في مقاهينا
كبصاق المحارة :
واحد يبحث منا عن تجارة
واحد يطلب مليارا جديدا
وزواجا رابعا
*
واحد يبحث عن عرش وجيش
و إمارة
آه يا جيل الخيانات
ويا جيل العمولات
ويا جيل النفايات
ويا جيل الدعارة
سوف يجتاحك مهما أبطأ التاريخ
أطفال الحجارة. نزار قباني.
لقد تحولت الحجارة إلى بندقية ... والبندقية إلى قذيفة ... والقذيفة إلى صاروخ وطائرة مسيرة، ولا زال الشرفاء يرسمون خارطة الوطن في قلوبهم بدمائهم ... ولا زال بعض حكام العرب ينتظرون الوفاة ثم الدفن:
احاول رسم بلاد
تسمى مجازا بلاد العرب
سريري لها ثابت
و رأسي بها ثابت
لكي اعرف الفرق بين البلاد وبين السفن
و لكنهم ... أخذوا علبة الرسم مني
و لم يسمحوا لي بتصوير الوطن .
***
احاول مذ كنت طفلا قراءة اي كتاب
تحدث عن انبياء العرب
و عن حكماء العرب ... وعن شعراء العرب
فلم ار الا قصائد تلحس رجل الخليفة
من أجل جفنة رز ... وخمسين درهم
فيا للعجب !!
***
انا منذ خمسين عاما
احاول رسم بلاد
تسمى مجازا بلاد العرب
رسمت بلون الشرايين حينا
و حينا رسمت بلون الغضب
و حين انتهى الرسم سا ءلت نفسي :
اذا أعلنوا ذات يوم وفاة (بعض حكام ) العرب
ففي اي مقبرة يدفنون ؟
و من سوف يبكي عليهم ؟
و ليس لديهم بنات ...
و ليس لديهم بنون ...
و ليس هنالك حزن
و ليس هنالك من يحزنون !! المصدر السابق. " ... الا ان نصر الله قريب ... " .
---------------
د. سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية .