إلتقى أعضاء «مجلس خبراء القيادة» صباح الخميس 07/03/2024 مع قائد الثورة الإسلامية في حسينيّة الإمام الخميني (رض). وشدّد الإمام الخامنئي على عدم معارضة الجمهورية الإسلاميّة الحكومات والدّول والشعوب بحدّ ذاتها بل الظّلم والعدوان والاستكبار، من قبيل الأحداث التي تقع في غزّة، مستنكراً عدم مبادرة أمريكا والدول الأوروبيّة لمنع الظلم الكبير المرتكب بحقّ شعب غزّة، وتقديمها العون للكيان الصهيوني.
وفي مستهل كلامه قال سماحة القائد: اسمحوا لي أن أقول كلمة عن هذه الأيام القليلة المتبقية من شهر شعبان المبارك. شهر شعبان شهر البشرى، وهو شهر السعادة، وهو شهر تنقية القلوب وتنوير القلوب بالاستغفار، بالدعاء؛ إنه شهر الاستعداد لدخول بركات شهر رمضان المبارك التي لا نهاية لها. إن ما يطلبه الإنسان من الله تعالى في هذا الشهر هو من نوع خاص؛ هَب لي کَمَالَ الِانقِطَاعِ اِلَیک؛(۴) «هَب لي قَلباً یُدنیهِ مِنك شَوقُهُ وَ لِساناً یَرفَعُهُ الَیك صِدقُه».(۵) هذه الطلبات كلها تنوير، ونعمة، وروحانية. حسنا، لقد مر جزء مهم من هذا الشهر؛ وينبغي أن نقول: «اَللهُمَّ اِن لَم تَکُن غَفَرتَ لَنا فیما مَضی مِن شَهرِ شَعبانَ فَاغفِر لَنا فیما بَقیَ مِنه»(۶) إن شاء الله. أعاننا الله على استغلال هذه الأيام القليلة المتبقية.
وفي هذا العام، كان شهري بهمن واسفند (ابريل ومارس)، أكثر من أي عام آخر، المكان الذي تجلّت فيه بوادر الديمقراطية الإسلامية؛ فمن عشرة الفجر المباركة ومسيرة 22 بهمن الحماسية إلى انتخابات مارس وتأسيس مجلس الخبراء، كل هذه مؤشرات تتعلق بالديمقراطية الإسلامية والجمهورية الإسلامية.
ولادة الجمهورية الإسلامية
فيما يتعلق بمسألة الجمهورية الإسلامية، أنتم تعلمون أن ولادة الجمهورية الإسلامية أحدثت تأثيراً عالمياً، وأحدثت زلزالاً؛ لقد كانت حادثة عالمية. ولم يكن الأمر مجرد حادث إقليمي يتعلق بدولة واحدة. إن قيادة الإمام الراحل (رض)، وشجاعة وإقدام وتفاني الشعب الإيراني في جميع أنحاء البلاد، خلقت حادثة خلقت وضعاً ذا حالتين في العالم؛ جبهة واحدة، ولا أريد أن أفسرها على أنها "مدرسة" - فإحدى الجبهات، الجبهة الجمهورية، ارتبطت بالدين والإسلام، لكنها نشأت أيضاً من الدين والإسلام. لقد خلقت هذه الثنائية، ولم تكن هذه الثنائية موجودة قبل قيام الجمهورية الإسلامية. وبطبيعة الحال، كان لهذه المواجهة تعقيدات على الجانبين؛ وكان التعارض بين هاتين الجبهتين أمراً طبيعياً، وهذا التعارض بدأ منذ اليوم الأول.
قلق الغرب من الجمهورية الإسلامية
ولا ينبغي أن يتصور أن هذا التعارض لا يكون إلا بسبب مسألة التمسك بالدين، أي أن طرفاً متمسكاً بالدين، وطرفاً غير مبالٍ بالدين، أو مثلاً دون تمسك به؛ لم يكن الأمر كذلك؛ طبعاً هذا كان حاضراً في الأمور الظاهرية والسطحية، لكن عمق التعارض وعدم التوافق وربما التشدد أكثر من ذلك. والمشكلة هي أن هذا الفصيل من الديمقراطية الشعبية الغربية شعر أن هذا النموذج الجديد الذي تم اقتراحه يتعارض مع مصالحهم الكبرى، وربما مع وجودهم في نهاية المطاف. لقد شعروا بهذا. منذ اللحظة الأولى التي ظهرت فيها الجمهورية الإسلامية، كان هذا الشعور ينشأ بشكل عام على الجانب الآخر ويزداد قوة يوما بعد يوم.
وتابع سماحته: بالطبع، إذا لم تكن هناك روحانية، فسيتم خلق أرضية القمع والعدوان؛ عندما تشعر مجموعة بالقوة وتستطيع مثلا أن تأخذ ثروة دولة مثل الهند التي كانت غنية ولديها صناعات وكانت تعتبر دولة متقدمة في ذلك الوقت، وتستولي على ثروتها وتستخدم تلك الدول التي تشعر بالقوّة ثروات ذلك البلد وقدراته، لماذا لا؟ عندما لا يكون هناك روحانية، ما هو العائق؟ حسنًا، ولقد حدث الاستعمار في جزء مهم من آسيا - في شرق آسيا، وفي الهند، وفي البلاد المحيطة بالهند وأمثالها - حدث هذا في أفريقيا أيضاً، وحدث هذا في أمريكا اللاتينية. بالطبع، حدث ذلك أيضا في أمريكا الشمالية، لكنهم تخلصوا من هذا الاستعمار بالعديد من النضالات.
جبهة الديمقراطية الدينية
أما الجبهة المقابلة، والتي نشأت مع تشكيل الديمقراطية الدينية، فإن أهم قضاياها هي مواجهة هذه الأحداث؛ يعني مواجهة الظلم، مواجهة الاستكبار، مواجهة العدوان، أي أن أساس عمل الحكومة التي تقوم على الدين وعلى أساس الإسلام هو «لا تَظلِمونَ وَ لا تُظلَمون»(۸) أساس عملها هو مواجهة الظالم، ومجابهة الظالم؛ "اَلَّذینَ آمَنوا یُقاتِلونَ فی سَبیلِ اللَه."(۹) ومن الطبيعي أن هذه المواجهة، وهذا المواجهة، جاءت وفرضت نفسها بالقوة.
وأردف الإمام الخامنئي: إن صناعة الحروب وإراقة الدماء التي لا نهاية لها من أجل السلطة هي من سمات هذه الديمقراطية المزعومة، ولكنها بعيدة كل البعد عن الروحانية والدين والمفاهيم الدينية والتعاليم الدينية. كثير من هذه الأحداث المريرة حدثت في أوروبا نفسها، إلا أنهم جميعا يتّحدون عندما يكونون أمام غير الأوروبيين، ولكن عندما يكون لديهم وقت فراغ، تحدث خلافات فيما بينهم، وهذا ما حدث في القرن التاسع عشر. ما حدث في أوروبا، الحروب والقتل والاعتداءات على بعضها البعض والفتوحات القاسية وغيرها، فيها تفاصيل كثيرة لا علاقة لها بقضايانا.
منطق وقوف الجمهورية الإسلامية ضد الاستكبار
وإستعرض سماحته منطق وقوف الجمهورية الإسلامية ضد جبهة الاستكبار، كما شرح ببعض النقاط فيما يخصّ انتخابات «مجلس خبراء القيادة» و«مجلس الشورى الإسلامي» يوم الجمعة الماضي.
وقال سماحته في معرض شرحه منطق وقوف الجمهورية الإسلامية ومواجهتها للمتغطرسين: إلى ما قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية، كانت الجبهة الوحيدة في العالم هي جبهة الديمقراطيات ذات النهج الديمقراطي الليبرالي الغربي، ولكن مع انتصار الثورة الإسلامية، تشكلت جبهة جديدة على أساس السيادة الشعبية الإسلامية، التي وقفت بوجه الجبهة الديمقراطية الغربية بطبيعة الحال.
وعدّ الإمام الخامنئي صعود نموذج السيادة الشعبية الإسلامية في إيران سبباً لتعريض مصالح الجبهة الديمقراطية الغربية للخطر، وبداية معارضة تلك الجبهة المستمرة للنظام الإسلامي وقال: «إنّ سبب شعورهم بالخطر ومعارضتهم هو أنه في جوهر النظام الديمقراطي الغربي يتأصّل الاستكبار والعدوان والتعدّي على حقوق الشعوب، وإشعال الحروب وسفك الدماء دون حد وقيد؛ من أجل نيل السلطة. والشاهد على ذلك استعمار الكثير من الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في القرن التاسع عشر؛ أي في ذروة شعاراتهم وادّعاءاتهم في الديمقراطية والحريّة وحقوق الإنسان».
وأكد قائد الثورة الإسلامية أنّ أهم قضية ومسألة عند جبهة السيادة الشعبية الإسلامية، هي مواجهة الظلم والعدوان. وفي الجواب عن سبب مواجهة الجمهورية الإسلامية لجبهة الاستكبار قال سماحته: «إنّنا لا نعارض الحكومات والدّول والشّعوب بحدّ ذاتها. معارضتنا هي إزاء الظّلم والعدوان الموجودين في باطن الديمقراطية الغربية».
المجازر بحقّ أهالي غزة
وعدّ الإمام الخامنئي الأحداث المؤسفة في غزّة، نموذجاً جليّاً من الظلم والاعتداء الذي تمارسه جبهة الاستكبار بحقّ أصحاب الأرض، حيث ترتكب المجازر دون رحمة بحقّ أهالي تلك الأرض، وتابع سماحته قائلاً: إنّ معارضة الجمهوريّة الإسلاميّة هي في الواقع معارضة لمثل هذه الأنواع من الظلم والجرائم، فهي رغم كونها مدانة لدى كلّ عقل وعرف وشرع وضمير بشري، إلّا أنها تحظى بدعم أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبيّة.
وأكّد قائد الثورة الإسلامية قائلاً: «يجب أن تتّضح وتتجلّى هذه القضيّة بأنّ جبهة الاستكبار أخفت الظلم والعدوان وارتكاب المجازر، تحت مسمّيات الديمقراطيّة وحقوق الإنسان والليبراليّة». ثمّ شدّد على وجوب أن تكون الجمهوريّة الإسلاميّة على الدوام رافعة لراية مقارعة الاستكبار، والرائدة والمتقدّمة في هذا المجال، وأردف سماحته قائلاً: يجب أن نجعل راية مقارعة الاستكبار أشمل، وخفّاقة أكثر يوماً بعد يوم، وألّا نسمح في أيّ مرحلة بأن تُسلب الجمهوريّة الإسلاميّة هذه الراية.
وظيفة «مجلس الخبراء»
وفي جزء آخر من حديثه، عدّ الإمام الخامنئي وظيفة «مجلس الخبراء»؛ أي تعيين القائد ومراقبة الحفاظ على مؤهلاته، أهمّ مَهمّة إداريّة في الجمهورية الإسلامية. وأضاف: «ينبغي على أعضاء مجلس الخبراء أن يحرصوا على تجنّب إغفال المبادئ الثابتة للجمهورية الإسلامية في انتخاباتهم، وأوضح سماحته: أما بالنسبة إلى مجلس الخبراء، فأنا أرى أن مجلس الخبراء هو المسؤول فعلياً عن العمل الأهم؛ وهذا ""تحديد القيادة"" و"الاهتمام بالمحافظة على كفاءة القيادة" من المهام الكبيرة؛ أي أن المهمة الأكبر في إدارة المجتمع الإيراني ربما تكون في الجمهورية الإسلامية هي هذه المهمة. وعلى مجلس الخبراء أن يضمن عدم إهمال المبادئ الثابتة للجمهورية الإسلامية في الاختيارات التي سيجريها. انها مهمة جدا. أي أن اختيار القيادة يجب أن يتم على أسس ثابتة، وهي في الجمهورية الإسلامية من المبادئ المقبولة.
وأضاف سماحته: لدينا نوعان من الأحكام؛ لدينا قواعد ثابتة، ولدينا قواعد متغيرة. وفي الإسلام نفسه، لدينا أحكام متغيرة ذات عناوين ثانوية. وهو الأمر نفسه في الجمهورية الإسلامية. يتم تغيير بعض القواعد وفقا للظروف. وهو مذكور في الدستور نفسه؛ على سبيل المثال، في المادة 44، وفقًا لهذه المادة، يمكن تغيير شيء واحد؛ لدينا العديد من هذه الحالات. ولكن لدينا مبادئ ثابتة لا يمكن تغييرها. هذه المبادئ تجدها في الدستور، وهذه المبادئ تجدها في أقوال الإمام الراحل (رض)، وهذه المبادئ تجدها أيضاً في تعاليم الإسلام. وينبغي أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار، مثل إقامة العدل، مثل مكافحة الفساد، مثل رفع مستوى المعرفة الإسلامية، ومستوى الممارسة الإسلامية في المجتمع؛ وهذه مبادئ ثابتة لا يمكن تغييرها.
آفاق جديدة للبلاد
ومع الإشارة إلى إجراء انتخابات «مجلس الشورى الإسلامي»، عدّ سماحته وصول مجلس جديد أمراً عذباً، ويخلق آفاقاً جديدةً للبلاد. وقال: إن حضور نوّاب جدد إلى جانب نوّاب من الدّورات السابقة، والذي يعدّ مزيجاً من التجدّد والخبرة، أمرٌ قيّم، وضخٌّ لدم جديد في عروق المجموعة السياسية.
وأضاف سماحته: إن تشكيل كل برلمان جديد هو رأس مال ثمين للبلاد. فهو بمثابة الدم الذي يجري في عروق المجمع السياسي والاجتماعي للبلاد. إنها ظاهرة حلوة، لكن هذه الظاهرة الحلوة يمكن أن تصبح مريرة؛ مثل كل الحقائق الحلوة في العالم، هناك بعض الأشياء، هناك عوامل يمكن أن تدمر هذه الحلاوة. وقد لاحظت هنا أن ما يمكن أن يدمر حلاوة البرلمان الجديد هو الألفاظ المثيرة للجدل والمشاحنات والعداوات؛ مثل هذه الأمور تدمر حلاوة البرلمان الجديد. وحذّر سماحته من هذه الأمور .
تحذير لأعضاء مجلس الشورى الاسلامي
وأردف سماحته: على الإخوة والأخوات الحاضرين في المجلس الجديد الذي سيتشكل قريباً، أن ينتبهوا لئلا تضيع حلاوة المجلس الجديد وتصير الأذواق مريرة. فإذا لم يراعوا ذلك، فإن الأثر الأول هو أن يصبح طعم الأمة مراً، ويصبح الجو السياسي للبلاد مراً؛ وفي حين أن الأجواء السياسية مع الانتخابات وتشكيل برلمان جديد ووصول أشخاص جدد ونحو ذلك هي بالضرورة أجواء منعشة، فإن كل هذا سوف يختفي إذا لم تراعى الأمور التي ذكرتها.
وأوضح سماحته: النتيجة التالية هي أن البرلمان يصبح غير فعال؛ أي أنه عندما يتورط مجلس الشورى الإسلامي في معارك ومواجهات وجبهات مختلفة كهذه، فمن الطبيعي أن يتوقف عن عمله الأساسي؛ فالفئات والصراعات تمنعهم من العمل.
ديمقراطية إسلامية
وقال الإمام الخامنئي: أريد أن أقول إن لدينا ديمقراطية إسلامية. وهذا الشعار "الإسلامي" عنوان مهم جدا؛ وهذا لا ينطبق فقط على الأوضاع السياسية؛ أي أننا، كوننا إسلاميين وجمهورية إسلامية، لا يقتصر الأمر على أننا قدمنا نموذجا سياسيا؛ نعم، هذا أحد أهم أجزاء العمل، لكنه ليس الجزء الوحيد.
ثمّ أشار إلى التوصيات المتكرّرة لأمير المؤمنين (عليه السّلام) لِوُلاته بشأن مراعاة التقوى الإلهيّة، لافتاً إلى أنّ تشرّع مسؤولي الجمهوريّة الإسلاميّة والعاملين فيها، والتزامهم ومراقبتهم الحلال والحرام، واجتناب الكذب والغيبة والاتّهام من الضّرورات الحتميّة لهم.
ولفت الإمام الخامنئي إلى اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، مشيراً إلى أنّ شهر شعبان هو شهر البشائر والأفراح والتطهّر، وإعداد القلوب بالاستغفار، والدعاء والمناجاة لدخول شهر رمضان المبارك، سائلاً الله المتعالي الغفران في الأيام المتبقية من هذا الشّهر. وفي مستهلّ هذا اللقاء، أشار آية الله الشيخ جنّتي، رئيس الدورة الخامسة لـ«مجلس خبراء القيادة» إلى بعض الهواجس المطروحة من قبل أعضاء هذا المجلس.