إننا نحيا في عصر يكافيء فيه الجناة بدلاً من أن يحاسبوا و يدانوا .. إننا نحيا في عصر تتطوع فيه ما يسمي بمنظمات حقوق الانسان، لحماية المصالح الظالمة لكبار المجرمين والدفاع عن ظلمهم و ظلم أعوانهم .
( صحيفة الامام ، ج7 ، ص 500 )
ثمة مذاهب عديدة ممن تدعي قيادة الانسان وتحقيق سعادته، تتحدث في ضوء رؤيتها الكونية عن تفاصيل مناهج وأنظمة تلبي احتياجات الانسان الاساسية، آخذة بنظر الاعتبار تعدد أبعاد حياة الانسان علي الصعيد الشخصي والاجتماعي، ولافتة الي أن بوسع كل واحد من هذه الانظمة تناول أحد جوانب حياة الانسان والتمهيد لنموه وتكامله. ومن جملة هذه الانظمة يمكن الاشارة الي النظام الحقوقي والسياسي والاقتصادي والثقافي الي غير ذلك.
المنهج الفكري لكل مدرسة هو الآخر يعد من جملة الانظمة التي تحتل موقعها بشكل منطقي وهادف، في ضوء الاهداف الشاملة للمدرسة الفكرية ورؤيتها الكونية، رغم استقلالية اهدافها وغاياتها .
كما أن كل واحد من هذه الانظمة يحقق وجوده وكيانه من خلال منهجية المدرسة الفكرية ورؤيتها الشاملة الي عالم الوجود وكائناته (التعرف علي الكون)، والي وجود الانسان (علم الانسان)، و من خلال طريقة التعرف علي هذا المخلوق علي الصعيدين الباطني و الظاهري علي حد سواء (علم المعرفة)، و كيفية تحليل ابعاد الانسان الاجتماعية (علم الاجتماع)، وبالتالي تتباين عن بعضها البعض بناءً علي الرؤية الكونية، وفي ضوء ذلك يتم تنظيم قواعد هذا النظام واهتماماته الداخلية .
الفكر الاسلامي هو الآخر ، و من خلال إدعائه ارساء أسس شاملة و كاملة لأكثر الحضارات الالهية – الانسانية أصالة في العالم علي الصعيدين الفكري و العملي معاً ، بني رؤيته الكونية علي أساس تبيان حقائق الوجود ، وتوضيح وجود الكائنات بدءً من أسمي مراتب الوجود (خالق الكون)، وانتهاءً بأدناها، وتابع في ضوء ذلك نظامه القيمي انطلاقاً من أسمي المراتب (الحقيقية) ونزولاً الي أدني مستوياتها (اللذة والمنفعة الشخصية)، ومن ثم ترتيب أنظمته القانونية والاقتصادية والسياسية ...الخ ، في إطار الجانب العيني والقيمي .
ومن الواضح تماماً في ظل هذا النظام ، أن كل مفهوم حقوقي و فضلاً عن انضمامه تحت لواء النظام الحقوقي ، يستمد وجوده من النظام القيمي لهذه المدرسة الفكرية وتوضيحها وتفسيرها لحقائق الوجود(معرفة الكون). ولهذا فإن التحليل الدقيق و المتقن لأبعاده و غاياته ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاصول والمباني المستمد منها .
الآفاق التي تتحدث عنها المدرسة الاسلامية السامية والانظمة التابعة لها ، شكّلت الملامح العامة لرؤية واحد من أبرز الذين عملوا علي احياء الفكر الاسلامي في العصر الحاضر وأكثرهم تأثيراً، ألا و هو سماحة الامام الخميني ( قدس سره )، التي تجلت بوضوح في مختلف أبعاد اهتماماته الفكرية وجسدتها سيرة هذا الرجل الرباني ..ان مقولات من قبيل: حقوق الانسان، حقوق الاقليات، حقوق المرأة، ومفاهيم نظير: الوطنية والجمهورية والديمقراطية والاحزاب والتنظيمات السياسية، ومفاهيم أخري كثيرة، يمكن اكتشافها من جديد وتعريفها بشكل سليم في ضوء أفكار سماحة الامام الخميني وآرائه ومواقفه.
و كما هو واضح، أن تعاطي سماحة الامام الخميني ( قدس سره ) مع هذه المفاهيم والمقولات لم يكن بشكل مباشر وبمثابة نصوص محددة، وأساساً أن كافة الابعاد الفكرية لمقولة ما ، أو حتي قاعدة عامة ، تستحوذ علي اهتمام سماحته بما يتناسب مع ابعاد أكثر شمولية ومن ثم مع الرؤية الكونية للمدرسة الفكرية التي يؤمن بها. ولهذا فإن دراسة مفهوم (حقوق الانسان) - علي سبيل المثال – يمكن التعرف علي أبعاده من زاويتين مختلفتين وفقاً للرؤية الكونية الاسلامية التي يؤمن بها سماحة الامام .
ومما يذكر في هذا الصدد أن سماحة الامام ينظر الي منشور حقوق الانسان في اطار منظومة عامة من النظام الحقوقي والقيمي و الرؤية الكونية، و يلفت الي نقاط ضعفه ونواقصه وتناقضاته وعدم أحقيته ومشروعيته، مستنداً في ذلك الي سببين :
الاول، عدم استناد اعلان حقوق الانسان الي رؤية كونية الهية متقنة.(صحيفة الامام، ج4، ص402 و403). الثاني، افتقار المشرّع للمؤهلات المطلوبة كما ينبغي : نظراً لحرمانه من نعمة الوحي وجهله بالعالم والانسان والمجتمع، اضافة الي أنه غير منزّه من الانانية والنفعية وامكانية الخطأ والسهو في علمه ومعرفته، لذا فهو يفتقر الي المؤهلات اللازمة لتدوين الحقوق الانسانية. (صحيفة الامام، ج7، ص361 و ج8، ص332).
من جهة أخري تكتسب منظومة حقوق الانسان مصداقيتها بمثابة نظام مستقل، وأن سماحة الامام يؤيدها بشكل عام لسببين:
الاول: اعتماد علم الانسان وعلم المعرفة، إذ يمكن التوصل الي بعض الامور الحسنة والسيئة في ضوء العقل الانساني.
الثاني: صحة واعتبار بعض بنود إعلان حقوق الانسان، واشتراك وانسجام العديد من فقراته مع تعاليم الانبياء خاصة الدين الاسلامي.
و بناء علي ذلك، ومع الأخذ بنظر الاعتبار المكانة العالمية التي يحظي بها إعلان حقوق الانسان، واستناداً الي فحوي بنوده وفقراته السليمة، وتأسّياً بقاعدة الالزام (كل شخص ملزم بما يؤمن به)، يوجّه سماحة الامام عتابه للذين دوّنوا هذا الاعلان ووقّّعوا عليه، ويدعوهم لمراعاة الحقوق التي نص عليها هذا الاعلان، ويرفع صرخته احتجاجاً علي مظلومية المستضعفين في العالم داعياً الي إحقاق حقوقهم، وكاشفاً القناع عن الوجه القبيح لأدعياء حماة حقوق الانسان والمدافعين عنها كذباً وبهتاناً.
وفي هذا الصدد يقول سماحته :
«اذا كان الغرب يزعم حقاً الدفاع عن حقوق الانسان، ينبغي له مناصرة الشعب الايراني .. يجب عليه سحب اعترافه بحكومة الشاه ورفض حكم شخص لا يتواني عن ارتكاب المجازر بين فترة وأخري».
(صحيفة الامام، ج4، ص 224) .
وفي موضع آخر، واستناداً لما ورد في اعلان حقوق الانسان، يوجّه سماحة الامام خطابه الي المتغطرسين أدعياء حقوق الانسان، موضحاً :
«ان من حق هذه الامة - و كل أمة - أن تقرر مصيرها بنفسها. فهذا أحد حقوق الانسان وقد نص عليه إعلان حقوق الانسان أيضاً. وأن شعبنا نهض اليوم بمختلف فئاته وهو يتطلع لأن يتحكم بمصيره».
(صحيفة الامام، ج3، ص 503) .
ويقول سماحته:
«أن كلاً من حرية التعبير ، و حرية الانتخابات ، و حرية الصحافة ، و حرية الاذاعة و التلفزيون ، و حرية الاعلام ، كل ذلك يعد من حقوق الانسان بل من اولوياتها . ألا تعلم اميركا بأننا نفتقر للاعلام الحر و لا توجد لدينا صحافة حرة ؟» .
(صحيفة الامام، ج4، ص400) .
يؤمن سماحة الامام بأن مزاعم الدفاع عن حقوق الانسان، ليست أكثر من ألفاظ يتشدق بها الادعياء المستكبرون: « لنهب ثروات الشعوب المستضعفة »(صحيفة الامام، ج3، ص518)، و صيانة مطامع القوي العظمي (صحيفة الامام ، ج6 ، ص 460 ) ، و للتمويه علي جرائمهم (صحيفة الامام، ج5، ص 342)، و بلوغ مطامعهم الشخصية و الحزبية (صحيفة الامام ، ج5 ، ص 297) ، و التي تتلخص في الهيمنة علي المستضعفين و مص دماء المحرومين .
(صحيفة الامام ، ج12 ، ص 258) .
و يري سماحة الامام لدي الخوض في الجانب الإيجابي من إعلان حقوق الانسان، بأن من مستلزمات تدوين حقوق الانسان الالهية بصورة شاملة وتطبيقها بشكل كامل، الاستعانة بالوحي في التعرف علي أبعاد الكون والانسان وخالق الوجود. كما أن سماحته يعد استلهام النظام الحقوقي ومجموعة حقوق الانسان من منظومة العقائد الدينية الالهية، والتفسير الالهي لوجود الانسان ونشأته الاولي ومعاده، والأخذ بنظر الاعتبار الغاية الحقيقية من وجود الانسان وعالم الوجود، وتمسك المؤمنين الحقيقيين وأتباع التعاليم الالهية الصادقين، يعد كل ذلك من أهم وأبرز المؤهلات التي ينبغي توافرها لدي المدوّنين لإعلان حقوق الانسان.
يقول سماحته:
«ان الدولة التي يحق لها التشدق بالدفاع عن حقوق الانسان وصيانتها، هي التي تكون حكومتها قائمة علي أساس العقائد الدينية الالهية ... فإذا لم يكن الله حاضراً، وإذا لم تتوافر الخشية منه، وإذا لم يكن ثمة خوف من يوم الجزاء .. فسوف تعم الفوضي و ينتهي الانسان الي التيه والانحراف».
(صحيفة الامام، ج4، ص 402).