أصدر الامام الخميني قدس سره الشريف عام 1985 قراراً من ثماني بنود حول حقوق الناس والقانون والسلطة القضائية، وضرورة اسلمة الضوابط والقوانين وجهه إلى السلطة القضائية والأجهزة التنفيذية.
وجميع مواد ومضامين ذلك البيان كانت تدور حول رعاية حقوق أفراد الشعب، وتؤكد على الرعاية الدقيقة للأحكام القانونية في التعامل مع الحقوق الشرعية والمدنية.
و فيما يلي نص القرار:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلحاقاً بالتذكير بضرورة اسلمة كافة المؤسسات الحكومية لا سيما الجهاز القضائي، وضرورة احلال أحكام الله في نظام الجمهورية الإسلامية محل الأحكام الطاغوتية للنظام المتجبر السابق؛ أرى من اللازم تذكير المسؤولين ببعض الأمور وآمل أن يلتفتوا إليها ـ إن شاء الله تعالى ـ والإسراع في إنجاز المهام الموكولة إليهم:
أولاً: ضرورة إعداد القوانين الشرعية والمصادقة عليها وتعميمها بالدقة اللازمة والسرعة المطلوبة. على أن تحتل القوانين المتعلقة بالمسائل القضائية، التي هي موضع ابتلاء العامة وتحظى بأهمية أكبر، الأولوية مقارنة بالقوانين الأخرى حتى لا يتأخر أو يتعطل عمل السلطة القضائية وتضيع حقوق الناس، وان يحتل موضوع تعميمها وتطبيقها الصدارة.
ثانياً: ضرورة متابعة أهلية القضاة والحكام والمحاكم بالسرعة والدقة الفائقتين، كي يصبح مسار الأمور شرعياً وإلهياً ولا تضيع حقوق الناس. وان تتم متابعة صلاحية الموظفين الآخرين والمتصدين للأمور بالنحو نفسه وبحيادية تامة ودون تسامح ومن غير اختلاق عقبات عن جهل مما ينقل أحياناً عن المتشددين، حتى لا يتم عزل واقصاء النافعين والمؤثرين ممن ينبغي أن يحلوا محلهم، باعذار واهية. وليكن المعيار الوضع الفعلي للأفراد مع غض النظر عن بعض الزلات التي صدرت منهم في النظام السابق، ما لم يتضح بالأدلة المؤكدة أنهم فعلاً مثيرون للعقبات ومفسدون.
ثالثاً: يجب على السادة القضاة المتوفرة فيهم الشروط الإسلامية، سواء في المحاكم العامة أو محاكم الثورة؛ أن يصدروا أحكام الإسلام باستقلالية تامة ودون مراعاة أي اعتبار آخر، وأن يواصلوا أعمالهم ـ المهمة للغاية ـ في مختلف أنحاء البلاد دون تسامح أو تأخير. وعلى المسؤولين عن الابلاغ والتنفيذ وكافة المعنيين بهذا الأمر، الالتزام بالأحكام الصادرة كي يشعر الناس بالاطمئنان ويتأكدوا من صحة القضاء والابلاغ والتنفيذ والاستدعاء، ويشعروا بأن أرواحهم وأموالهم وكرامتهم مصانة في ظل الأحكام الإسلامية العادلة. ويجب ان لا يقتصر العمل بالعدل الإسلامي على أجهزة السلطة القضائية وانما هو أمر مطلوب متابعته بجدية تامة في مختلف أركان نظام الجمهورية الإسلامية بدءً من المجلس والحكومة وأجهزتها وانتهاء بالقوات العسكرية والأمنية وحرس الثورة واللجان الثورية والتعبئة وكافة المتصدين للأمور، ولا يحق لأحد أن يتعامل مع الناس تعاملاً غير إسلامي.
رابعاً: لا يحق لأحد توقيف أو استدعاء أحد من دون حكم القاضي الذي يجب أن يكون منبثقاً عن الضوابط الشرعية، حتى و ان كانت فترة التوقيف قليلة. ويعتبر التوقيف أو الاستدعاء المصحوبين بالعنف، جريمة تستحق التعزير الشرعي.
خامساً: لا يحق لأحد التدخل أو التصرف في أموال أي شخص سواء المنقولة أو غير المنقولة، أو توقيفها أو مصادرتها، إلا بناء على حكم حاكم الشرع. وحتى هذا الحكم يجب أن يكون بعد البحث الدقيق وثبوت الحكم من الناحية الشرعية.
سادساً: لا يحق لأحد مداهمة منزل أي شخص أو محل عمله الشخصي بدون إذن صاحبه، أو استدعاء شخص ما أو ملاحقته ومراقبته بذريعة محاولة اكتشاف الجريمة أو ارتكاب ذنب. وكذلك لا يحق توجيه اساءة إلى أحد وارتكاب أعمال غير إنسانية وإسلامية، أو التنصت على الهواتف واستراق السمع لاكتشاف الجريمة مهما كانت كبيرة، أو ملاحقة أسرار الناس والتجسس على الآخرين لاكتشاف ذنوبهم أو إفشاء أسرارهم وإن كان شخصاً واحداً. كل ذلك يعد ذنباً وان بعضها يعد من الذنوب الكبيرة لأنه إشاعة للفاحشة. وأن مرتكب أي من الأمور المذكورة أعلاه، يعتبر مذنباً ويستحق التعزير الشرعي، وان بعضها يوجب الحد الشرعي.
سابعاً: إن كل ما ذكر واعتبر ممنوعاً، لا علاقة له بالقضايا المرتبطة بالمؤامرات والجماعات المعارضة للإسلام ونظام الجمهورية الإسلامية، والتي تلتقي في الأوكار السرية للتخطيط لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية واغتيال الشخصيات المجاهدة والناس الأبرياء في الشارع والسوق، وكذلك التخطيط للأعمال التخريبية والإفساد في الأرض ومحاربة الله ورسوله. بل ينبغي التصدي لكل هؤلاء بحزم وقوة اينما وجدوا بما في ذلك المراكز الحكومية والأجهزة القضائية والجامعات وغيرها. ويجب العمل باحتياط تام ووفقاً للمعايير الشرعية وبما ينسجم مع توجيهات القضاة والمحاكم، لأن تعدي الحدود الشرعية غير جائز حتى بالنسبة لأمثال هؤلاء، مثلما أن المسامحة والتساهل غير مقبولين أيضاً. ويجب على الجميع الالتزام بالضوابط والمعايير المنصوص عليها ومراعاة الأحكام الشرعية.
وقد تم التأكيد كراراً بأنه إذا ما تم الدخول خطأ إلى منزل أو مكان عمل شخص ما بدافع الكشف عن الأوكار السرية ومراكز الفساد والتجسس ضد الجمهورية الإسلامية ، وعثر هناك على وسائل اللهو والقمار والفحشاء وغيرها من الأمور المنحرفة كالمخدرات، فلا يجوز افشاء ذلك للآخرين، لأن إشاعة الفحشاء تعتبر من أعظم الكبائر، ولا يحق لأحد انتهاك حرمة المسلم وتجاوز الضوابط الشرعية. وانما يجب العمل فقط بواجب النهي عن المنكر بالنحو الذي نص عليه الإسلام ولا يحق لهم اعتقال أصحاب المنزل وسكنته أو ضربهم وشتمهم، وان تعدي الحدود الإلهية يعتبر ظلماً يوجب التعزير وأحياناً القصاص.
غير أن الذين يتضح من عملهم المتاجرة بالمخدرات وتوزيعها بين الناس، فهم بحكم المفسد في الأرض ومصداقاً للساعي في الأرض للافساد وإهلاك الحرث والنسل، ولا بد من تقديمهم للسلطات القضائية فضلاً عن مصادرة ما تم كشفه.
كذلك لا يحق لأحد من القضاة أن يصدر حكماً متسرعاً يخول المأمورين بمداهمة منازل الأفراد أو أماكن عملهم التي هي ليست بأوكار للتخريب ولا بؤر للتآمر ضد الجمهورية الإسلامية. وان اصدار وتنفيذ مثل هذه الأحكام يترتب عليهما ملاحقة قانونية وشرعية.
ثامناً: إن كلاً من سماحة حجة الإسلام السيد موسوي اردبيلي، رئيس المجلس الأعلى للقضاة، والسيد رئيس الوزراء) (، مكلفان شرعاً بالحؤول دون حدوث الأمور المذكورة أعلاه، بحزم وعلى وجه السرعة. ومن الضروري أن يتم اختيار لجان في مختلف أنحاء البلاد، تكون موضع ثقة، وأن يطلع الناس عليها كي يتسنى لهم تقديم شكاويهم اليها في حالة اعتداء أو تجاوز المسؤولين التنفيذيين على حقوقهم وأموالهم. وتتولى هذه اللجان مهمة إطلاع السادة على نتائج التحقيق واحالة الشكاوى إلى الجهات المسؤولة ومتابعتها كي تتم معاقبة المقصرين وفقاً للحدود والتعزيرات الشرعية.
وعلينا أن نعلم جميعاً بأنه بعد استتباب حكم الإسلام وإرساء دعائم نظام الجمهورية الإسلامية بفضل تأييد الله القادر الكريم وعنايته واهتمام خاتم الاوصياء وبقية الله ـ أرواحنا لمقدمه الفداء ـ ، والدعم المنقطع النظير للشعب الملتزم العزيز للنظام أو الحكومة؛ لا يمكن قبول أو تحمل أن يظلم ـ لا سمح الله ـ أحد باسم الثورة والثورية، أو صدور أعمال تتنافى مع المعايير الإلهية والأخلاق الإسلامية الكريمة من قبل الذين لا يعبأون بالقيم المعنوية.
ومن الضروري أن يشعر أبناء الشعب من الآن فصاعداً، حيث الاستقرار والاعمار، بالهدوء والأمن وأن يواصلوا أعمالهم بكل راحة بال واطمئنان على مختلف الأصعدة، وان يعتبروا الإسلام العظيم والدولة الإسلامية سنداً لهم، ويروا السلطة القضائية في خدمتهم من خلال إحقاق الحق وتطبيق العدل والحدود الإسلامية، وان تكون القوات العسكرية والأمنية والحرس الثوري واللجان الثورية الحارس على امن الشعب واستقراره وثباته. وان كل هذا يقع على عاتق الجميع، والحرص على ترجمته عملياً يوجب رضا الله تعالى والسعادة في الدنيا والآخرة. وان التخلف عنه يوجب غضب الله القهار وعذاب الآخرة والملاحقة والعقاب الدنيوي.
اسأل الله الكريم أن يحفظنا جميعاً من الانزلاق والخطأ، وان يسدد الجمهورية الإسلامية ويوصلها بالحكومة العالمية لقائم آل محمد (ص)، إنه قريب مجيب. والسلام على عباد الله الصالحين.
روح الله الموسوي الخميني