«..إن الرسول الأكرم وخاتم الأنبياء وأفضل المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أصبح مبدأ النهضة الإسلامية الربّانية ومصدر نشر العدالة وثقافة الإنسان، ومؤسس حركة القضاء على أسس الظلم والإساءة، والرقي بمنزلة الإنسان العليا، والهجرة عن جميع المظالم والصفات الشيطانية والحيوانية والاتجاه نحو النور المطلق ومنبع الكمال ومؤسس الأمة والإمامة».
يختصر هذا النص المهم جداً عن الإمام الخميني "قده" شخصية النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال ذكر المواصفات الأساسية والأهداف الإلهية الكبرى التي سعى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجلها طيلة حياته الشريفة لتصبح عقيدة ومنهاج حياة للبشرية الباحثة عن العدالة والأمن والفضائل.
ولابدّ لنا من الوقوف عند مفردات هذا النص لتوضيح بعض معانيها لأننا بحاجة لأن نفهم شخصية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته فهماً واقعياً يعيننا في حركة الحاضر الذي مهما كان قاسياً وظالماً، فإنه لن يرقى إلى القسوة والظلم اللذين كانا في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومع هذا لم يدَّخر جهداً ووسيلة من أجل إيصال صوت الإسلام إلا بذل، وكان له في نهاية الأمر نتيجة إيجابية رائعة تمثّلت في قيام النواة للدولة الإسلامية العالمية.
أولاً: النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مبدأ النهضة الإسلامية الربّانية: باعتبار أن الله عزّ وجلّ قد أوحى إليه بالشريعة الإسلامية السهلة السمحاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وتمكن من أن يقيم في الأرض عبر جهاده وصبره وتضحياته النواة الأولى للإسلام كدولة ملأت جوانب الأرض فأشرقت بنور ربّها موحّدة له ومتوجّهة إليه دون غيره. ولاشك أن ذلك الإنجاز هو الحجة البالغة على المسلمين في هذا الزمن حيث لا نقل عدَّاً وعُدَّة عن المجموعة الإسلامية المعاصرة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحيث أن أعداءنا ليسوا أقوى من قريش وحلفائها في ذلك الزمن.
ثانياً: النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مبدأ نشر العدالة: حيث أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل على ترسيخ قيم الإنسانية في حياة المجتمع الإسلامي، وملغياً القوانين الجاهلية القائمة على أسس التفاصيل الطبقي بين البشر تبعاً للثروة أو للانتماء القبلي أو لعوامل القوى المادية وغير ذلك من الموازين التي كانت تؤدّي إلى اختلال العدالة بكل معانيها وأبعادها بين الناس.
ثالثاً: النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مصدر الثقافة الإسلامية: باعتبار أن الشريعة التي جاء بها انطلقت من الإنسان لتهذّبه ولتبني نفسه البناء الذي يحقق لهذا الموجود دوره الحقيقي في هذه الدنيا وهو دور التمهيد والتوطئة للحياة الآخرة عبر بناء الدنيا، وبذلك أخرج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الإنسان من ثقافة اللحظة والمتعة إلى ثقافة تنسجم مع تطلعاته وآفاقه الإنسانية الرحبة المبنية على الفضائل والقيم التي يرمز إليها الإنسان.
رابعاً: النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤسس حركة القضاء على الظلم: باعتبار أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أراد من خلال الشريعة أن يمنع أي عدوان يمكن أن يمارسه أي ظالم في أي جانب من جوانب الحياة، لكي يدفع بالناس على تفجير طاقاتها الخلاّقة والمبدعة من أجل خير الإنسان، لأن الظلم بما هو قهر لإرادة الآخرين وتسلُّطٌ عليهم سيؤدي إلى قتل كل الطموح والقعود عن العمل والإنتاج لانعدام الدوافع الخيّرة عند هؤلاء بسبب الضغوطات الممارَسَة ضدهم والمانعة لهم من الانطلاق نحو الأعمال الصالحة لخير أنفسهم وخير الناس أجمعين.
خامساً: النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مصدر ارتقاء الإنسان: وهذا مما لا يمكن المناقشة فيه بعد الخطاب الإلهي لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} حيث يكشف عن المراتب الأخلاقية والسلوكية الرفيعة جداً التي وصل إليها (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى صار مورداً للمدح الإلهي، وهو لاشك أراد كل المؤمنين به والأتباع لدينه أن يسيروا على نفس النهج والصراط لأن هذا السلوك هو الكاشف عن القدرات الخفية المودعة في نفس هذا المخلوق ليرتقي إلى أعلى درجات الصفاء ليصبح قاب قوسين أو أدنى كما هو حال نفس وروح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
سادساً: النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤسس الهجرة عن جميع المظالم: باعتبار أن التزكية والتهذيب للنفس لا يمكن أن تتلاءم مع الظلم والمظالم المرتكبة بحق النفس أو الآخرين، لأن الظلم هو تعبير عن نفس مأسورة للشيطان وقواه التي يستغلها لحرف الإنسان عن مساره الصحيح نحو الله عزّ وجلّ وتحويله إلى أداة للفتنة والفساد والإفساد وتدمير كل المعاني الجميلة للحياة الإنسانية، بينما التزكية تحوّل النفس إلى جسم لائق قابل لاستيعاب الفيوضات الرحمانية لتظهر في الفعل الإنساني جمالاً وضَّاءً ونوراً مشرقاً يهدي الناس ويأسرهم ويجذبهم إليه ليسيروا بهدية ويقتدوا بسيرته.
سابعاً: النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤسس الأمة والإمامة: باعتبار أن عقيدة التوحيد التي تعني أن كل البشر هم واحد لوحدة الأصول والجذور المنطلقين منها، إلا أن هذه الوحدة لما غابت عنهم بفعل شياطين الجن والإنس عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على إعادتها إلى ما بين الناس ليرتبطوا بالله وبأنفسهم على أساس، وهذا ما حصل وتكوّنت الأمة وتأسّست كوحدة متراصة هي نتاج عقيدة وجهاد دنيوي عظيم، وأسس بالتالي طريق الفلاح والنجاح للأمة من خلال تأسيس خط الإمامة والقيادة، لكي تسلكه الأمة بعد رحيله لتبقى في المسار الصحيح والصراط المستقيم الذي لا خسران معه ولا تراجع بل انتصار دائم وفوز مستمر.
من هنا نحن بحاجة إلى هذا الفهم الشامل والمستوعب لسيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يكون لنا ذلك طريق هداية وإرشاد ويفتح قلوبنا وعقولنا لنعرف كيف ينبغي أن نكون جنوداً مضحّين مدافعين عن هذا الدين الذي حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفتح به القلوب ليسكنها والنفوس لترتاح إليه والأوطان ليديرها والشعوب ليقودها إلى خيرها في الدنيا والآخرة.