د.خواسته - باحث و اكاديمي
عندما يتطرف الانسان إلى ذكرى عزيزة عليه ويتذكر ذلك، عندما تمر عليه الذكرى، يشعر بان قلبه وكل جوارحه متوثبة لتلك الذكرى العزيزة، وهي على احر من الجمر، تدير الاعين وتصوب نظراتها إلى هذا وذاك.. تبغي ان يشاركها جميع الناس في ذلك.. المحب يترقب وصول الحبيب باشتياق لايوصف، خاصة بعد فراق طويل وبُعد.. والحبيب يشتاق رؤية محبه ليعرف ما هو الحب في عينيه وفي قلبه وفي لمحات وجهه.. نحن ننتظر الحبيب الذي غاب عنا طويلا ونعلم انه الواقف على ما يدور في قلوبنا تجاهه.. ننتظره اجلالاً له واكراماً واعظاماً لشخصه، واملاً يتحقق في قدومه ليس لنا فقط وانما للبشرية جمعاء.. بانقاذها من براثن الاستعمار والطغيان والظلم والجور.. نحن ننتظر بزوغ الشمس تنير دربنا المظلم وتمنحنا حرارة الوجود.. نحن ننتظر ظهور قائم بالعدل بما تعنيه هذه الكلمة، ومن آل محمد (ص).
ان الامام الخميني (قدس سره) له باع طويل، عندما يقف امام هذه الذكرى العزيزة، فهو يقول: «أتقدم بأحر التهاني لمظلومي التاريخ ومستضعفي العالم في ذكرى الولادة المباركة لخاتم الأوصياء وفخر الأولياء الحجة ابن الحسن العسكري (أرواحنا لمقدمه الفداء). كم هو عظيم هذا اليوم الذي ولد فيه باني العدالة العالمية، ومفسر بعثة الأنبياء (عليهم السلام) الذي سيطهر الأرض من ظلم الظالمين والمحتالين وسيملؤها عدلًا وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وسيقضي على المستكبرين في الأرض وسيجعل المظلومين ورثتها، وكم هو مسعود ومبارك ذلك اليوم الذي سيزول فيه الظلّام ومشعلو نار الفتن من على وجه الأرض وتقوم مكانهم حكومة العدل الإلهي التي ستنتشر إلى جميع البقاع، وسيرفرف لواؤها فوق البسيطة، وسيبسط قانون العدل الإسلامي ظله ورحمته فوق رؤوس البرية، وستتهدم عروش الظلم والفسق، وستتحقق الغاية من بعثة الأنبياء (صلوات الله عليهم) والأولياء الصالحين (عليهم السلام)، وستهبط بركات السماء على الأرض، وستتحطم أقلام العار وستتقطع ألسنة النفاق، وسيشع شعاع الحق على العالم وسيفر الشياطين وأعوانهم إلى بحور العتمة. وتلك المنظمات الكاذبة التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ستذهب إلى غير رجعة. ورجاؤنا أن يعجّل الله سبحانه وتعالى بقدوم ذلك اليوم الميمون والمبارك، الذي ستشع فيه شمس الهداية والإمامة. وعلينا نحن الذين ننتظر ذلك اليوم، أن نسعى لإحقاق الحق وأن نجعل قانون العدل الإلهي هو القانون الذي يحكم هذه البلاد، بلاد ولي العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه)»[1]
الامام (قدس سره) ينظر الى اخر حجة لله تعالى في ارضه، على انه الهادي والمنقذ، الصالح، والعادل، للبشرية، فهو (اي الامام المهدي(عج))يحقق ما لم يستطع الانبياء (ع)تحقيقه بالكامل من حيث نشر العدالة وازالة الظلم من على وجه الارض. ومثل الامام المهدي (عج)تختلف فيهم الاقوال وتدور حولهم الروايات والاحاديث، فمن الناس من يعتقد بذلك ومنهم من ينكر ومنهم من يمزج اعتقادة باقاويل مختلفة وروايات لاتستند إلى الواقع ومنهم من ينكر وجود شخص او مولد بهذا الاسم!.. وهكذا فعند العظام تختلف الانام!.. عدة ترى ان ظهور المهدي (عج)في ان تمتلئ الدنيا بالفساد والفجور والطريق الى ذلك هو الصمت المطلق امام كل معصية ومفسدة! للتعجيل في ظهور الحجة (عج)! وعدة تترك الديار والاهل، لتلجأ إلى بقعة صغيرة من الارض.. جالسة منتظرة الظهور! واخرى.. تعد حصاناً او فرساً وسيفاً او اي سلاح آخر لذلك.. وهي تنتظر.. وهكذا.
وقد اشار الامام (قدس سره)إلى ما سبق حيث قال: «البعض يرى انتظار الفرج في أن يجلس في المسجد أو الحسينية أو المنزل، ويدعو الله تعالى لفرج الإمام الحجة صاحب الزمان- سلام الله عليه-. إن من لديهم مثل هذا التصور هم أناس صالحون، بل أن بعض الذين أعرفهم كان إنساناً صالحاً للغاية وقد اشترى له حصاناً وكان عنده سيفاً، وكان على أهبة الاستعداد في انتظار الإمام صاحب الأمر- سلام الله عليه-. فأمثال هؤلاء كانوا يعلمون واجباتهم الشرعية وكانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولكن الأمر كان يقف عند هذا الحد. وفيما عدا ذلك لا يصدر منهم شيئاً ولم يكونوا يفكرون بفعل شيء فيما يخص هذا الأمر الهام. على صعيد آخر ثمة جماعة ترى في انتظار الفرج بأن تدير ظهرها لكل ما يجري من حولها. فلا شأن لها بما يجري على الشعوب وما يعاني منه شعبنا، وكل همها هو العمل بواجباتها الدينية وفيما عدا ذلك فهو من مهام صاحب الزمان الذي سيأتي ويصحح كل شيء بنفسه. إذ يقول أفراد هذه الجماعة: نحن غير مسؤولين عما يجري وكل ما علينا هو أن ندعو لظهور صاحب الزمان. هؤلاء أيضاً كانوا أفراداً صالحين. غير أن فئة ثالثة كانت تقول: حسناً، يجب أن يمتلئ العالم بالمعاصي حتى يمهد لظهور الإمام صاحب الأمر. يجب أن لا ننهى عن المنكر ولا نأمر بالمعروف وترك الناس يفعلون ما يشاءون لكي تزداد المعاصي ويقترب الفرج. بل هناك فئة تؤمن بأكثر من هذا إذ تقول: يجب التشجيع على المعاصي وارتكاب الذنوب حتى تمتلئ الدنيا ظلماً وجوراً مما يمهد لظهور الإمام الحجة- سلام الله عليه-. وبطبيعة الحال بين هؤلاء أناس منحرفون وبينهم سذج أيضاً، وكان المنحرفون يتطلعون إلى تحقيق أهداف خاصة. وكانت هناك فئة تؤمن بأن كل حكومة تقوم في عصر الغيبة هي حكومة باطلة وتتعارض مع الإسلام، وأمثال هؤلاء إن لم يكونوا ألعوبة، فهم أناس غرتهم بعض الأحاديث الواردة بهذا الشأن نظير: إن أية راية ترفع قبل ظهور صاحب الأمر، هي راية باطلة. وكانوا يتصورون ذلك في أية حكومة. في حين أن أمثال هذه الأحاديث تشير إلى أن كل مَنْ رفع راية الى جانب راية الإمام المهدي، تحت عنوان (المهدوية)، فهو باطل. لنفرض أن أمثال هذه الأحاديث موجودة. ألا يعني ذلك أن التكليف قد سقط عنا؟ ألا يتعارض هذا مع ضروريات الإسلام، مع القرآن، بأن ندعو إلى ارتكاب المعاصي حتى يأتي صاحب الأمر؟ لأجل أي شيء يأتي صاحب الأمر؟ يأتي لنشر العدل وبسط القسط، يأتي من أجل القضاء على الفساد. إننا إذا لم نَنْهَ عن المنكر ولا نأمر بالمعروف، ونعمل على إشاعة المعاصي، إنما نعمل خلافاً لنص القرآن الكريم. فعندما يأتي الإمام المنتظر ماذا يفعل؟ يأتي من أجل أداء هذه الأعمال. وفي الوقت الحاضر، أليس لدى الإنسان تكليف؟ هل تكليف الإنسان أن يدعو الناس للفساد؟ إن علينا حسب تصور هذه الجماعة التي بعض أفرادها ألعوبة وبعضهم جهلة ان نجلس وندعو لصدام. وان كل من يدعو على صدام فانه يساعد في تأخير ظهور الإمام المهدي. وان الذين يدعون لصدام إنما يفعلون ذلك كي يزداد الفساد .. علينا أن ندعو لأميركا وللاتحاد السوفيتي ولإذنابهم من أمثال صدام كي يمتلئ العالم بالظلم والجور ويساعد ذلك في ظهور الإمام الحجة. وإذا ما ظهر الإمام يعمل على إزالة الظلم والجور. فما نقوم به وندعو لزيادة الظلم والجور، يأتي الإمام المهدي ويعمل على إزالته ؟ والحقيقة هي، علينا أن نعمل للقضاء على الظلم والجور في أي مكان من العالم إذا كان في مقدورنا ذلك. إن تكليفنا الشرعي يدعونا إلى ذلك ولكن ليس بمقدورنا. وسيأتي الإمام المهدي ليملأ الأرض قسطاً وعدلًا، غير أن ذلك لا يسقط التكليف عنكم بأن تكفوا عن أداء واجبكم. نحن لدينا تكليف، ومَنْ يقول بعدم ضرورة الحكومة فهذا يعني أن تكون هناك فوضى. فإذا ما غابت الحكومة فسوف يعم الفساد البلاد بنحو ليس له حدود. فأي عاقل يقبل أن يظلم الناس بعضهم البعض الآخر كي يمهدوا لظهور صاحب الزمان!! و ماذا سيفعل صاحب الزمان حين يأتي؟ أليس القضاء على الظلم وبسط العدالة. فالإنسان إن لم يكن سفيهاً ولا مغرضاً ولم يكن ألعوبة بيد الآخرين، لن يقبل بمثل هذه الأفكار»[2]
أرأيت مايقوله الامام (قدس سره)..؟ اختلف الناس وتشتت افكارهم حول عظيم من عظماء آل محمد (ص).. والكل ينتظر قدومه بطريقته الخاصة ونظرته الخاصة، الّا ان الكل، على اختلاف مشاربهم، يتفقون على شيء واحد، تجاه المنقذ والقائم بالعدل، الا وهو: عدالته وتطهير العالم كله من الارجاس التي المتابه من جميع جهاته. شيعته اول من يعتقد بذلك.. المسلمون كافة بل جميع من على وجه المعمورة من مستضعف ومظلوم وحر.
تمعن في الامام الخميني (قدس سره) قائلا: « نرجو أن ينقذنا الله من القيود الشيطانية حتى نتمكن من تأدية هذه الأمانة الالهية وإيصالها إلى المقصد وأن نسلمها إلى صاحب الأمانة المهدي الموعود- أرواحنا لمقدمه الفداء-.[3]
أرجو أن تظل هذه البلاد بنفس القوة والالتزام والوعي الذي ثارت به منذ البداية ووصلت به إلى ما وصلت إليه وأن تستمر هذه النهضة والثورة إلى ظهور صاحبها الأصلي إن شاء الله حتى نسلّم إليه هذه الأمانة.[4]
نأمل في أن تشرق شمس الإسلام اللامعة بأشعتها على العالمين وتتهيّأ مقدمات ظهور منجي البشرية،« وما ذلك على الله بعزيز» (سورةإبراهيم، الآية 20)[5]
السلام والتحية للمحضر المقدس لمولود الخامس عشر من شعبان وآخر ذخيرة الإمامة، الإمام بقية الله أرواحنا فداه-، وباسط العدل الأبدي الأوحد، وحامل لواء تحرير الإنسان من قيود ظلم الاستكبار .. السلام عليه، والسلام على منتظريه الحقيقيين .. السلام على غيبته وظهوره .. والسلام على أولئك الذين يدركون ظهوره بالحقيقة ويرتوون من كأس هدايته ومعرفته.[6]»
تحية اجلال واكبار للحجة المنتظر (عج)، ظاهرا باذن الله تعالى، ومُحطماً الاوثان في عهد الجاهلية الحديثة، وتحية لحفيده الامام الخميني (قدس سره)، مفجرا لاعظم ثورة في العالم، من اجل المظلومين والمستضعفين.
[1] صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج14، ص: 370
صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج21، ص: 21-18 [2]
[3] نفس المصدر، ج18، ص: 371
[4] نفس المصدر، ج15، ص: 335
[5] نفس المصدر، ج19، ص: 134
[6] نفس المصدر، ج21، ص: 296