لبت الامة العربية والاسلامية اليوم النداء الذي أطلقه الامام الخميني الراحل قبل نحوِ 35 عاماً بتكريس آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس،ويتزامن يوم القدس العالمي هذا العام مع العدوان الإسرائيلي على قطاعِ غزة، حيث اعتاد أهالي القطاع على المشاركة فيه للتأكيد على الثوابت الفلسطينية.
وأحيا الفلسطينيون المناسبة هذا العام بتضحياتهم وشهدائهم، معربين عن أملهم في انتفاضة العالم الإسلامي لنصرة قضيتهم.
وبهذا اليوم التاريخي اعلن سماحة الامام الخميني الراحل انحياز الثورة الاسلامية في ايران بشكل معلن لفلسطين والقدس واصبحت الجمهورية الاسلامية في ايران طرفا أساسيا واستراتيجيا في معادلة الصراع الوجودي مع القوى المعادية للاسلام لا سيما الصهاينة العدو الاول للأمة العربية والاسلامية.
لقد أثبتت المأثرة الجهادية لسماحة الامام نظرته الثاقبة لوضع الحلول الجذرية المناسبة لتصحح مسار الامة في ادارة الصراع واستحداث وعي جديد يمكنها من استعادة دورها في جميع الميادين بعد تغيبه لفترة طويلة.
لهذا فإن انتصار الثورة الاسلامية في ايران كان اكبر من ثورة لانها تحول عالمي ومفصل تاريخي ما بين الانحطاط والنهوض وما بين الحق والباطل، فكانت فلسطين والقدس في عقل ووجدان الامام الذي سكن وجدان الامة قبل وبعد الثورة ليس لأنه عالم دين فقط بل لأنه استطاع بحنكته ودرايته تحطيم اهم ركائز الاستكبار العالمي وادواته في ايران وبناء الدولة الاسلامية الحديثة وحمل هموم الامة التي عالجها وشخصها بشكل دقيق ووضع الحلول المناسبة وكانت القضية الفلسطينية من أولوياته على صدر اهتماماته، فكان الهدف من يوم القدس العالمي جمع المسلمين الذين توحدهم أولى القبلتين وثالث الحرمين تحت راية الاسلام لمواجهة قوى الصهيونية وكل من يدور في فلكهم.
لهذا السبب كانت المأثرة في هذا اليوم المجيد من ليالي القدرفي شهر رمضان المبارك الذي تجاوز حدود الجمهورية الاسلامية ليعم معظم الشعوب الاسلامية ليقرع جرس الانذار بتشكيل حلف اسلامي مواز للحلف الاستكباري العالمي لمواجهة اهدافه ومخاطره واطماعه العدوانية في منطقتنا لتحطيمها على صخرة صمود الامة واجتثاث الغدة السرطانية من قلبها في فلسطين وتحرير أرض العرب والمسلمين بشكل كامل وشامل واستعادة الحقوق المغتصبة في فلسطين و كل فلسطين عاصمتها القدس الشريف.
أعلن الإمام الخميني عن تعيين آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، يوما عالميا للقدس، يوم انتصار الحق على الباطل. وفي هذا اليوم يبرهن الشعب الإيراني، وعن طريق المظاهرات والمسيرات المليونية التي يقيمها، عن عدائه المبدئي والأصلي لإسرائيل، وفي هذا اليوم ضمت غالبية الشعوب المسلمة في الأقطار الأخرى أصواتها إلى الشعب الفلسطيني، وأقامت المظاهرات الحاشدة المعادية لإسرائيل،، حقا فإن يوم القدس هو يوم انتصار المستضعفين على المستكبرين.
في هذا السياق أكد المشاركون في المسيرات المليونية العامة بيوم القدس العالمي في الجمهورية الاسلامية الايرانية، في بيانهم الختامي، أن القضاء على الكيان الصهيوني يقضي على كل ازمات المنطقة بما فيها فتنة داعش.
أصدر المشاركون في المسيرات المناصرة للقضية الفلسطينية، بيانا أكدوا فيه تمسكهم بتراث الامام الخميني الراحل (رض) المتمثل بمبادرته في احياء قضية فلسطين واخراجها من نطاقها القومي الضيق لتتحول الى القضية الاولى للعالم الاسلامي، بل حتى لتتعدى حدود العالم الاسلامي، لتصبح من اهم قضايا احرار العالم.
واستهل البيان بالآية الشريفة: "سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير" (الاسراء/آية1).
واضاف انه رغم مضي 35 عاما على المبادرة الفريدة التي اطلقها مفجر الثورة الاسلامية، وحافظ على ارثها سماحة قائد الثورة الاسلامية (مد ظله العالي)، فإن قضية تحرير القدس تجاوزت حدود العالم الاسلامي، لتنفذ الى مناطق نفوذ القوى الاستكبارية، لتضم الى صفوفها المجتمعات والشعوب المطالبة بالحق والعدل والمقارعة للظلم، لتبطل الحلم الصهيوني ببسط السيطرة "من النيل الى الفرات" وتبدد مشروع "الشرق الاوسط الكبير"، حيث تجتاز جبهة المقاومة الاسلامية والحركة المعادية للاستكبار منعطفا تاريخيا بكل قوة وصلابة، معلنة جاهزيتها لتؤدي دورها في بنية العالم وهندسته المستقبلية.
وأكد المشاركون في بيانهم الختامي: اننا جموع الصائمين في ايران الاسلامية وبالتوكل على الله نعلن من خلال مشاركتنا في المسيرات العظيمة المقارعة للاعداء في يوم القدس العالمي والتي تعد رمزا لوحدة المسلمين وعزمهم على دعم الشعب الفلسطيني المضطهد، وساحةً لتجسيد نهج المقاومة وخطاب الثورة الاسلامية على الصعيد العالمي، نعلن مواقفنا امام العالم، رافعين نداء التكبير عاليا، مؤكدين ان تحرير القدس الشريف وخلاص الشعب الفلسطيني المضطهد الاعزل من براثن الكيان الصهيوني الغاصب اللقيط، تمثل مبدءا ساميا للثورة الاسلامية واستراتيجية مصيرية وضعها الامام الخميني (رض) وخلفه الصالح سماحة قائد الثورة الاسلامية (مد ظله العالي) للعالم الاسلامي، ولن نألو جهدا ماديا او معنويا في سبيل تحقيق هذا المبدأ المقدس.
وأدان البيان بشدة الهجوم الصهيوني الوحشي على المسلمين الفلسطينيين وخاصة النساء والاطفال الابرياء، ووصفها بأنها مصداقا لجرائم الحرب والابادة، وطالب المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان والدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي والمنظمات الدولية الاخرى ان تتجنب اعلان المواقف الحيادية اللامؤثرة، وان تضع على جدول اعمالها اتخاذ قرارات جادة وعملية في إدانة قادة الكيان الصهيوني ومعاقبتهم كمجرمي حرب.
واعتبر البيان فتنة "داعش" والحرب الارهابية التكفيرية البعثية في العراق وسوريا بأنها حرب بالوكالة عن نظام الاستكبار وهو نتيجة للتخطيط المشترك بين اميركا والكيان الصهيوني والرجعية في المنطقة، لإضعاف محور المقاومة الاسلامية، واثارة التخويف من الاسلام وتأجيج الفرقة بين المسلمين، ، معلنا ان افراد الامة الاسلامية وبتمسكهم بالقرآن الكريم وتعاليم النبي الاعظم (ص) يقفون صفا واحد كالبنيان المرصوص امام مؤامرات الاستكبار ولن يسمحوا لأعداء الاسلام بحرف اهتمامات المسلمين عن القدس وفلسطين من خلال اثارة قضايا هامشية.
ورأى المشاركون في مسيرات يوم القدس، ان الوحدة والتضامن بين الفصائل الفلسطينية وتلاحمها امام الكيان الصهيوني، هي من اهم عناصر ومتطلبات التوصل الى هدف تحرير القدس الشريف وطرد المحتلين الصهاينة من اراضي فلسطين المقدسة، معربين عن ارتياحهم للاتفاق الاخير بتحقيق المصالحة الوطنية بين حماس وفتح، وتتوقع من هاتين الحركتين ان تتحليا بالوعي واليقظة لئلا تدعا اعداء الشعب الفلسطيني يمررون احابيلهم وخدعهم الهادفة لتفويت الفرصة الستراتيجية التي سنحت لتعزيز جبهة المقاومة ضد الصهاينة.
وأكد البيان ان السبيل الوحيد لتحقيق النصر امام الكيان الصهيوني السفاك، هو تطبيق نموذج حزب الله وحماس في حروب الـ33 يوما والـ22 يوما والـ8 ايام، وكذلك الحرب الجارية في قطاع غزة، مشددا على ان القضاء على الكيان الصهيوني سيقضي على الازمات في المنطقة بما فيها فتنة داعش وسائر الجماعات التكفيرية في سوريا والعراق، وأن الحل الوحيد يتمثل في عودة كل اللاجئين الفلسطينيين من شتى انحاء العالم واقامة الاستفتاء العام والحر لتحديد مصير البلاد، وان اي حل ما عدا ذلك يهدف لاستمرار حياة الكيان الغاصب وهو محكوم بالفشل.
واستنكر البيان بشدة المساعي المحمومة التي يبذلها الكيان الصهيوني لتهويد الاراضي المحتلة، والقضاء على هوية فلسطين التاريخية، وأدان الصمت العالمي وبعض الدول العربية والاسلامية في المنطقة، وطالب المنظمات الدولية والاقليمية باتخاذ مواقف حازمة لمنع استمرار هذه المؤامرة الخطيرة.
وأشاد البيان بدور المرجعية الدينية وعلماء الدين والمفكرين والشخصيات المؤثرة في المجتمعات الاسلامية الهادفة لتوعية الامة الاسلامية واحباط المؤامرات الصهيونية في اثارة الخلافات بين الشيعة والسنة وتأجيج الحرب الطائفية، ودعا الى صيانة الوحدة والانسجام الاسلامي وتعزيز الجبهة المعادية للعنف، من اجل افشال اهداف الاعداء واستراتيجياتهم.
واعلن المشاركون في المسيرات دعمهم للثورات الشعبية في المنطقة واستنكروا بشدة جرائم آل خليفة وآل سعود بحق شيعة البحرين المضطهدين والممارسات الوحشية ضد المسلمين في ميانمار وباكستان وافغانستان واليمن، والتي من المؤسف ترتكب في ظل الصمت المطبق لادعياء حقوق الانسان، معتبرين كل هذه الممارسات بأنها تأتي ضمن مخطط الشيطان الاكبر لتحقيق المآرب اللامشروعة لاعداء الاسلام.
وفي الختام أكد البيان على ان المشاركة في مسيرات يوم القدس العالمي، تحمل رسائل قاطعة الى الجبهة المناوئة للثورة والنظام الاسلامي وخاصة اميركا الخبيثة وحلفائها في المنطقة وخارجها، محذرا اياهم بأن يعتبروا من دروس وعبر الـ36 عاما الماضية، وان تتجنب في مسار المفاوضات النووية مواصلة اساليبها الهادمة للثقة والتهديدات والتصرف المعارض للحقوق المشروعة والقانونية لايران الاسلامية، وان تنهي دعمها لمثيري الفتنة في الداخل الذين مازال شعارهم "لا غزة لا لبنان" في يوم القدس العالمي عام 2009، يثير الغضب المقدس لدى الشعب الايراني، وليعلموا ان ايران حكومة وشعبا وبقيادة سماحة قائد الثورة الاسلامية (مد ظله العالي) مازالت تفكر بالتعامل الواعي العادل مع العالم، وفي ذات الوقت فهي مستعدة الى جانب القوات المسلحة المقتدرة الباسلة وتحت قيادة سماحته، للرد بشكل قاطع ومدمر على اي تهديد او عدوان يمس بوحدة اراضيها ومصالحها الوطنية وامنها القومي، ما يجعل الاعداء يعضوا اصابع الندم.
واختتم البيان بالآية الشريفة: "ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز"، وشعار: "الموت لاميركا - الموت لاسرائيل".