يعير سماحة الامام (قدس سره)، خلال ادبيات اخلاقه، دورا محوريا للكمال الانساني، الذى يؤكد فيه على الارادة الانسانية والعمل الصالح في مسار كسب هذا الكمال . لذلك وبالنظر الى حركة الانسان هذه المتعالية، فان اي مانع يوقف حركته في طريق الكمال يعتبر (بضم الياء) منافيا للقيم، حيث يشير الامام، في هذا المجال، الى قسمين من العوامل: داخلية وخارجية . ففي بحث الاخلاق يتطرق الى الاولى، وفي بحث السياسة الى الثانية . واذا ما نظرنا الى المفهوم المفتاحي في فلسفته الاخلاقية، على انه العمل الصالح، فان النضال السياسي والحضور الناشط، بهدف تعيين مصيره السياسي، يكون برهانا من براهين العمل الصالح . لذا، فان المفهوم الاخير، هو القاسم المشترك للاخلاق والسياسة . فحسب رؤية الامام (قدس سره)، ان عنصر الشر الباطني (المتمحور) في اطار حب النفس، هو، السد الرئيسي المانع تحقق ماهية الانسان الوجودية، والمسار العملي للوقوف بوجهه، تهذيب النفس . يقول سماحته: " ان جميع المفاسد الروحية، الاخلاقية و(ما شابهها) من اعمال، هي من حب الدنيا، والغفلة عن الله تعالى والاخرة ." (1)، وافضل علاج لذلك، ان تتصدى لكل من الملكات القبيحة المذكورة، التي تراها في نفسك وتثور ضدها برجولة وشهامة . (2)، فسماحته ينظر الى القوى السلطوية الخارجية، بانها مفسدة لتجلي كمال الانسان المتعالي، في الحياة الاجتماعية، وعلى هذا فان (مقارعة الظلم) ليست اخلاقية بذاتها فحسب، بل وسياسية ايضا . لان "... القبول بالظلم كالظلم نفسه، ياتي عن عدم تهذيب النفس ... (و) ان التزكية وذكر اسم الله والصلاة هذه، مراتب لو كنا وصلنا اليها، لما كنا خائفين، ولما قبلنا بالظلم ولا نظلم احدا . (3)، لذلك، فحسبما يراه الامام (قدس سره)، ان تزكية النفس والتهذيب، هما، نفي اي مانع داخلي وخارجي، والنتيجة ان الوصول الى الغاية الوجودية، يتحقق عمليا خلال مسار التاريخ والاجتماع، حيث يعتبر (بضم الياء) الانسان في هذه الحالة، ذو دور فعال في مجال الاجتماع . فالامام، يرفض اي قيم (بتشديد الياء) وولي على الناس مهما كان . يقول سماحته: " ان ابناء الشعب وكما اعلنت كرارا، احرار في الانتخاب وليسوا بحاجة الى قيم (بتشديد الیاء) او وصي . ولا يحق لاي شخص او جماعة او فئة، فرض شخص او اشخاص (معينين) على الشعب، وان المجتمع الاسلامي الايراني، الذي امن بفضل حكمته ووعيه السياسي بالجمهورية الاسلامية، وقيمها السامية وسيادة القوانين الالهية، وبقي وفيا لهذه البيعة، لا شك انه يمتلك القدرة على التشخيص، وانتخاب المرشح الاصلح، وبطبيعة الحال، ان الاستشارة، امر تنص عليه التعاليم الاسلامية، وان الشعب يتشاور مع من يثق بهم من الملتزمين بالاسلام، وبوسع الاشخاص والجماعات، وعلماء الدين، وفي حدود التذكير السابق، التعريف بالمرشحين، غير انه يجب ان لا يتوقع احد من الاخرين، ان يتخلوا عن استقلاليتهم وقناعاتهم . " (4) ... وسماحته يعرض الحريات والانتفاع بها تحت اسم (الحق)، حيث يقول: " ... وتعد (بضم التاء) الحرية احد مبادئ الاسلام . فالفرد الحقيقي في الامة الاسلامية، انسان حر بالفطرة، بيد ان النظام الايراني الحالي (5)، سعى ويسعى الى مصادرة هذه المبادئ الراقية ." (6) . فلو فرضنا، ان الحرية، حق طبيعي وفطري، اصله الطبيعة او خالقها، ويتمتع كل انسان منذ ولادته، بهذا الحق، يواجهنا سوال في هذا الحقل، وهو، هل ان هذه الحقوق والحريات، تنبع من واجبات الافراد ؟ اي، هل ان واجباتهم فيما يتعلق بها، تصبح اصيلة و(متجذرة عندهم) ؟ ... يمكن ان نعطي لهذا السوال، جوابا بالنفي !، لان سماحة الامام (قدس سره)، يعتبر الحرية من الحقوق الغريزية، ولا ترتكز او تستند على اي عامل اخر، كالواجب مثلا، مما يعني ان هذه الرؤية، ادت، في المجال السياسي، الى تعارض التعاليم الدينية مع نظام الاستبداد، الذي صادر حريات ابناء الشعب الرئيسية . يصرح سماحته: " كما يقول الشاه ايضا: اريدان امنح الحرية ! ولا يوجد احد يقول له، ما شانك لتريد ان تمنح الحرية ؟! ... وهل تريد ان تمنح الحرية التي منحها الدستور للشعب ؟! ... ولو فرضنا ان سلطنتك كانت قانونية، وهي ليست كذلك، فلا يحق لك ان تحكم ابدا ! ولكنك حكمت في تلك المدة التي كنت متربعا فيها على العرش وانت غاصب للحكم ! ... وفي هذه الحالة، لم يكن للشعب اي اختيار للقيام بعمل، وانت فعلت كل ذلك وتتحمل مسؤولية كل الجرائم . " (7) . يتحدث الامام هنا عن الدستور الذي منح الحرية، وعدم حق الشاه في سلبها من الشعب، اذن، المنح (بسكون النون) والسلب، هما، من الدستور وليس داخل اطار اختيارات فرد خاص ! ... فهل بالاستطاعة، تعميم هذه النظرية حول الولي الفقيه، ومجال اختياراته في الحكومة الدينية الشرعية، ايضا ؟ ... ليس كذلك بالطبع، لان الحرية حق الهي، لا يمكن لاي احد ولا يجب ايضا، انتزاع هذا الحق من الانسان، حتى لو تقبلنا رؤية البعض، من ان شرعية الدستور، تنبع من الولي الفقيه، وعنان اعطاء ومنع هذه الحريات بيده ! وهو الذي منح الدستور شرعيته ! ... فهذا، حسب نظر الامام (قدس سره)، يتنافى وشرعية الولاية . فمنح الحرية في الدستور، تاكيد على الحقوق والحريات الفطرية، التي يتمتع بها الانسان عند تولده، ولذلك فهي ليست مكتسبة او ممنوحة ! وبالنتيجة، غير قابلة للسلب او المنع . يقول سماحته: " اننا لا نرى قيمة للحياة تحت سلطة الغير . ان قيمة الحياة تكمن في الحرية والاستقلال ." (8) ... ويضيف: " انني اخشى مصير الكبت والاسر المظلم ." (9) . فعلى المفكرين، ان يضعوا قول الامام، التالي، محط انظارهم ... بان " لا يسمحوا بتحول الحرية التي تحققت، الى كبت ." (10) .
_______
_ 1 و2 شرح (الاربعون حديثا)، ص 240 وص 25، ف .
_ 3 صحيفة الامام العربية، ج 18، ص 396_ 395.
_ 4 نفس المصدر، ج 21، ص 16 .
_ 5 اشارة الى النظام البهلوي البائد .
_ 6 صحيفة الامام العربية، ج 4، ص 157 .
_ 7 نفس المصدر، ج 4، ص 55.
_ 8 نفس المصدر، ج 6، ص 179 .
_ 9 نفس المصدر، ج 6، ص 216 .
_ 10 نفس المصدر، ج 6، ص 218.