اعتبر قائد الثورة الاسلامية سماحة آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي ان غياب التحليل السياسي الواعي لدى الجماهير ادى الى الاخفاق الذي واجهه الامام الحسن بن علي المجتبى عليهما السلام ، وشدد على ان عامة الناس يجهلون الكثير عن حفيد رسول الله(ص) و قد ذكرت ذلك مرارا و تكرارا في ابحاثي حول حوادث تاريخ الاسلام ، مضيفا للاسف فان المواضيع التي تناولت صلح الامام عليه السلام كانت مكررة ، ولابد من طرح ورؤية جديدة وكلمات جديدة بهذا الشأن .
و تناولت وكالة تسنيم الدولية للانباء في تقريرها ، جانبا من كلمات قائد الثورة الاسلامية سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي حول الامام الحسن المجتبى عليه السلام الذي قال : ان عامة الناس لا تعرف الكثير عن الامام الحسن عليه السلام .
• غياب التحليل الواعي لدى الجماهير ادى الى عدم النجاح الذي واجهه الامام
وقال سماحته :
نشكر الله تعالى على وعي وبصيرة شعبنا وشبابنا وطلابنا الجامعيين وادعو للمحافظة على هذا الوعي لاننا في امس الحاجة الى هذا الوعي والبصيرة ، ويجب على طلابنا الجامعيين التحلي بالوعي والشعور والتحليل السياسي. وقد ذكرت في أبحاثي حول حوادث تاريخ الإسلام أن الذي أدى إلى عدم نجاح الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، وكذا ظهور فتنة الخوارج ، ومظلومية أشجع رجل في التاريخ ، هو عدم تمتّع الناس بالتحليل والشعور السياسي، فكان العدوّ يشيع خبراً فيتقبله الناس دون إمعان وتدبر.
• انتشار غبرة النفاق الغليظة في عهد الامام الحسن عليه السلام
ان أصعب المراحل التي تمر بها أي ثورة هي المرحلة التي يلتبس فيها الحق بالباطل ، ففي عهد رسول الله (ص) كانت الجبهات مفصولة وواضحة ، فمن جهة نجد الكفار والمشركين وأهل مكة، وقد كان كل مهاجر يحمل في ذاكرته خاطرة عنهم، فشخص يقول لقد ضربني فلان في التاريخ الفلاني، والآخر يقول لقد سجنني فلان، وآخر يقول فلان نهب أموالي ، لذا لم توجد هناك شبهة . ومن جهة أخرى نجد اليهود، الذين كان جميع أهل المدينة - من المهاجرين والأنصار - يعرفون مؤامراتهم وخدعهم. فالوضع كان واضحاً لا لبس فيه، وفي مثله تكون الحرب أمراً سهلاً ، مثلما حفظ الإيمان يكون سهلاً. ففي واقعة بني قريضة عندما امر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقطع رؤوس عدد كثير منهم ، نفذت الاوامر بحذافيرها ولم يعترض احد ولم يقل احد لماذا ؟ لان الموقف كان واضحا ولم يكن هناك غموض وغبرة وعدم وضوح لدى المسلمين . في هذه المواقف فان الحرب تكون سهلة كما ان حفظ الايمان يكون سهلا ايضا لان كل شيء واضح.
اما في عهد الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، فمن هم الذي اصطفوا في مواجهة الامام علي (ع) ؟ لقد كان الامر في غاية الصعوبة لانه كان من الصعب التمييز بين المعارضين للامام واصحابه المخلصين . فهذا "عبد الله بن مسعود" صحابي بهذه العظمة – كما نقل عن البعض- فهل كان من الثابتين على ولاية امير المؤمنين علي (ع) ام كان من المنحرفين ؟ وهذا "ربيع بن خثيم" الذي جاء مع بعض من الاخرين في حرب الصفين وقالوا للامام (ع) : اننا نشعر بعدم الراحة من هذه الحرب، دعنا نرجع ولا نشارك في هذه الحرب . ان هذه الامور تعقد البصيرة و تعكر اجواء الوضوح. وعندما تعلو غبرة الفتن الغليظة، نتذكر عهد الإمام الحسن عليه السلام، وأنتم تعلمون ما الذي حدث حينذاك، كما تعلمون بوجود طبقة رقيقة من هذه الغبرة في عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا، وكان بعض الأشخاص مثل عمار بن ياسر - الذي يعد أعظم فاضح للأعداء في جبهة أمير المؤمنين عليه السلام- وبعض كبار صحابة الرسول (ص) يذهبون إلى الناس ويتكلمون معهم وينصحونهم، وعلى الأقل كانوا يزيلون بعض آثار تلك الغبرة من أمام أعين بعضهم. أما في عهد الإمام الحسن، فلم يتحقّق حتى هذا المقدار القليل، فقد كان عهده زمان شبهة وحرب مع الكفار المقّنعين، من الذين يتمكنون من تسخير شعاراتهم لأهدافهم، لقد كان عهدا صعباً للغاية، ولم يكن هناك بدّ من الحذر فيه .
لقد استشهد أمير المؤمنين عليه السلام بسبب تلك الأوضاع . ومن بعده جاء ابنه الإمام الحسن عليه السلام الذي لم يتسن له الصمود بوجه تلك الحالة أكثر من ستة أشهر ، إذ تخلى عنه أنصاره وتركوه فريداً وحيدا ، فرأى أنه إذا سار لمحاربة معاوية بهذه الثلّة القليلة واستشهد فلن يطالب أحد حتى بثأره نتيجة لاستشراء الانحطاط الخلقي في المجتمع الإسلامي ، وبين هؤلاء الخواص! وإنّ الدعاية و الماكنة الاعلامية لمعاوية وأمواله وحيله ستستحوذ على الجميع، وسيقول الناس بعد مضي سنة أو سنتين : إن الإمام الحسن لم يحسن صنعاً - أساسا - حين تحدّى معاوية ، ومعنى هذا أنّ دمه سيذهب هدرا ، لذلك تحمّل جميع المصاعب ولم يُلقِ بنفسه في ميدان الشهادة .
أن الشهادة تكون أحيانا أسهل من البقاء على قيد الحياة . وهذا المعنى يدركه أهل الحكمة والآفاق المعنوية جيداً . أحيانا تصبح الحياة والعمل في أجواء معيّنة أصعب بكثير من القتل والشهادة ولقاء اللّه ، لكن الإمام الحسن عليه السلام سلك هذا السبيل الأصعب . وفي تلك الأوضاع كان الخواص في حالة انهيار ولم يكونوا على استعداد للقيام بأي تحرك . ولهذا السبب حينما استلم يزيد السلطة ثار عليه الإمام الحسين عليه السلام ، لأن يزيد بما يتصف به من صفات سيئة كان من السهولة محاربته ، وفيما لو قتل أحد في محاربته لا يذهب دمه هدراً . كانت الأوضاع في عهده لا خيار فيها إلا خيار الثورة ، على العكس من عهد الإمام الحسن عليه السلام الذي كان فيه خياران: خيار الشهادة ، وخيار الحياة، وكان البقاء على قيد الحياة أكثر ثوابا وجدوى ومشقّة من القتل ، و الإمام الحسن عليه السلام اختار هذا المسلك الأكثر وعورة. لكن الوضع لم يكن على هذه الصورة في عهد الإمام الحسين عليه السلام ولم يكن هناك إلاّ خيار واحد ! والبقاء على قيد الحياة الذي يعني عدم الثورة ما كان له آنذاك أي معنى ، كان لابد له من الثورة ، سواء انتهى به الأمر إلى القبض على الحكم أم كان مصيره إلى الشهادة . كان عليه أن يرسم الطريق ويركز لواء الدلالة عليه، ليكون واضحا أن الأمور اذا بلغت هذا الحد لابدّ وأن يكون التحرك في هذا الاتجاه. بالاضافة الى ذلك يلاحظ عدم توفر الأوضاع المناسبة لتعريف تيار الحق: لو أراد الإمام الحسين عليه السلام الثورة في عصر معاوية لما سمع نداؤه، وذلك لأن الحكم والسياسات كانت بشكل لا يمكن للناس فيها سماع قول الحق، لذلك فإن الإمام الحسين عليه السلام لم يُقدم على شيء ولم يثر أيام خلافة معاوية، مثلما أن الإمام الحسن عليه السلام لم يثر على معاوية، لأن الظروف لم تكن مواتية، لا أن الإمام الحسن عليه السلام لم يكن أهلا لذلك، لأنه لا فرق بين الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام، ولا بين الإمام الحسين والإمام السجاد عليه السلام، ولا بين الإمام الحسين عليه السلام والإمام عليّ الهادي عليه السلام أو الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
وبالطبع ان منزلة الإمام الحسين عليه السلام - الذي أدّى هذا الجهاد - أرفع من الذين لم يؤدّوه ، لكنهم سواء في منصب الإمامة، ولو وقع هذا الأمر في عصر أيّ منهم لثار ذلك الإمام ونال تلك المنزلة.
تحول الحكومة الاسلامية من الامامة الى الخلافة اكبر ضربة وجهت للاسلام
ان أكبر و أقسى ضربة وجهت للإسلام في صدره الأول هي تحول الحكومة الإسلامية من الإمامة إلى الخلافة ، حيث استحالت حكومة الإمام الحسن وحكومة علي بن أبي طالب إلى سلطنة في الشام ! وفي الحقيقة فإن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، اضطر إلى قبول ذلك العهد مع معاوية من أجل مصلحة أكبر وهي الحفاظ على أصل الإسلام. لقد سلبوا الإمام الحسن حكومته، وعندما خرجت الحكومة عن محورها الديني وباتت في قبضة طلاب الدنيا وأهلها، فمن البديهي عندئذ أن تقع حادثة كربلاء لاحقا، وهي حادثة يستحيل الحيلولة دون وقوعها وتجنبها.. فبعد عشرين عاما من خروج الحكومة الإسلامية عن محورها الأصلي - أي الإمامة - فإن الإمام الحسين سبط الرسول (ص) وصل به الحال إلى ذلك الوضع المأساوي والدموي في كربلاء، فالهدف الأساس من هجوم العدو وخطّته هو إبعاد الحكومة عن محورها الأصلي - وهو محور الإمامة والدين - ظنا منه أنه بذلك سيستطيع تحقيق مآربه!...
• إذا شدّد العدو من ضغوطه فان واقعة كربلاء ستتكرر مرة أخرى
وإنني أقول لكم بأن العدوّ ليس بمقدوره اليوم شيء، وبفضل شعب واعٍ كالشعب الإيراني وأفكار مدهشة كأفكار الشعب الإيراني وثورة عظمى كالثورة الإسلامية في إيران، فإنه لن يكون بمقدور أمريكا ولا أعظم من أمريكا - بحسب القوى المادية - فرض حادث كحادث صلح الإمام الحسن على دنيا الإسلام، وحتى إذا شدّد العدو من ضغوطه، فان حادثة كربلاء ستتكرر مرة أخرى.
• ينبغي الحديث عن الامام الحسن بذهنية اخرى وافكار جديدة
ان شعبنا لا يعرف الكثير عن الامام الحسن المجتبى عليه السلام، و كلما يعرفون هو بعض الكلمات كشعار لا اكثر، في حين قام المرحوم الشيخ راضي آل ياسين من كبار علماء النجف الاشرف بتأليف كتاب حول صلح الامام الحسن عليه السلام وتناول الموضوع بالبحث والتحليل. ولقد قمت بترجمة هذا الكتاب وطبع في عام 1969. والان يجب تناول هذا الموضوع من زوايا حديثة وافكار متجددة، الا انه مع الاسف فان هذه الافكار لا تطرح.
• مكانة الإمام الحسن عليه السلام
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن والحسين وهما آنذاك في السابعة و السادسة من عمريهما : "الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنّة". قال فيهما هذا القول وهما لازالا طفلين. أي انهما حتى وان كانا في تلك السن إلاّ انهما يفهمان ويدركان ويعملان كمن هو في سن الشباب، ويفوح الأدب والشرف من جنبيهما . و لو كان شخص قال في ذلك الوقت بان هذا الطفل سوف يقتل على يد امة جده رسول الله ، دون ذنب ، فان الامر كان لا يُصدق . الا ان الجميع عجبوا عندما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك وبكى ، متسائلين هل من الممكن ان يكون ذلك ؟!!.