بسم الله الرحمن الرحيم
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. " _ (1)
الحديث عن الاربعين ذو شجون... متشعب، مترامي الاطراف ومتجذر في التاريخ، وما من قلم ودواة مهما بلغت، تادية ما يتوجب عليهما، حول ادراك مفهومه والوصول الى كنهه، ومعرفة السر الذي من اجله وقع، وجاء بما جاء به قبل اكثر من الف عام، ولا يزال يورق ويثمر ويغدق بذلك على كل انسان، مهما كان مشربه، ان كان حقا يشعر بانسانيته ويعترف بها... لا نريد في هذا المجال، الخوض في عدد (الاربعين) وما يحمله من معان شتى، فقد ورد ذلك في القران الكريم، منوها الى خلق الانسان وما يتحمله والداه... "... ووصينا الانسان بوالديه احسانا... حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة... " _ (2)... و" واعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة..." _ (3)... وهكذا في الشعر العربي على مر العصور. فهذا سحيم بن وثيل التميمي، الشاعر المخضرم، يقول : وماذا تبتغي الشعراء مني وقد جاوزت حد الاربعين. _ (4)، وغير ذلك، حيث تناول الكثير من المفكرين والادباء كلمة (الاربعين) وغاصوا في اعماقها، فمنهم من نظر اليها بتشاؤم، ومنهم من عدها اكتمال الانسان واستعداده لتحمل ما يلقى اليه من امور... ذلك ما لا نريد التوغل فيه، لانه يبعدنا عن الموضوع الذي نحن بصدد التطرق اليه، بما لدينا من امكانيات ضئيلة، قاصرة وعاجزة عن الايفاء حتى ولو بجزء منه ! فسید الشهداء (ع) في حد ذاته ملهم الانسانية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى... في شخصيته، وجوده، نسبه، سماحته، ادعيته، خاصة دعاء عرفة، الذي هو بحق ليس دعاء فحسب، بل وصحيفة كاملة لمن اراد معرفة الانسان وزوايا واسرار خلقته، وما اودع الله تعالى فيه من خلايا وانسجة وعروق، يقف امامها العلم مهما بلغ صاغرا، منكسرا، جاثيا امام من... "... علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم... " _ (5)، وقد جرى ذلك على لسان ابي الاحرار، الامام الحسين (ع)... "... فتبارك الله احسن الخالقين... " _ (6). هكذا ثار الحسين (ع) بوجه الظلم، التزوير، وابادة الاسلام باسم الاسلام...ليحكم الباطل باسم الحق، وليعود ما ابطله الدين الحنيف القويم، من عادات الجاهلية البغيضة، والاسس التي استوت وقامت عليها... فما كان اسلام ابي سفيان الا خوفا وحفاظا على حياته واسرته واتباعه وثروته، ومن جاء بعده سار على طريقه، باذلا كل جهد بل وكل ما استطاع، لتحويل الخلافة النبوية، الى سلطنة وراثية، يتلاقفها بنو امية الواحد بعد الاخر ! يحسبونها حقا مشروعا لهم اغتصبه بنو هاشم ! ولا بد ان يعود الى اصحابه !... وقد قال قائلهم :
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل ! _ (7).
فهل كل هذا لا يستدعي، ان يقوم رجل من اهل البيت (ع)، لينقذ الاسلام الفتي، من طغمة تصول وتجول، لمحو الدين واحلال الجاهلية مكانه ؟ رغم ما تحمله الرسول الاعظم (ص) من معاناة، في سبيل هداية بني امية وامثالهم، وانتشالهم من الظلمات والجهل المطبق عليهم، الى مسار الحقيقة والنور والعدل... "... فاستحبوا العمى على الهدى... " _ (8) ! واطاحوا بسبط النبي الاكرم (ص) واله واصحابه الميامين، لانه طالب بسيادة الحق على الباطل واقامة العدالة بين الناس كافة، الذين فرقهم بنو امية واستعلوا عليهم وجعلوهم عبيدا لهم، ياتمرون بامرهم، ويطيعونهم في كل ما يريدون ! والروايات وكتب التاريخ حافلة، بسيرة جاهليتهم وتفضيلهم الناس بعضهم على بعض، وان كانوا اكثر منهم ايمانا واخلاصا للاسلام ! كما يفعل في عصرنا الراهن احفادهم ومن لف لفهم... يهرولون لكسب ود شيطان رجيم، وشواذ من اراذل العالم، حلل ما يسمون انفسهم (علماء دین) ! کل شیئ ! حتى اجازوا لبناتهم ونسائهم، الارتماء في الاحضان في سبيل الحصول على معلومة او مكسب، يزيد قليلا في عمر الكيان الصهيوني الغاصب، السائر الى الزوال باذن الله تعالى.
والاعجب من ذلك، استقواء بعض ممن يدعي الاسلام ويتزعم بلاده وشعبه باسم الاسلام، بهذه الشرذمة التي لا عهد ولا وفاء لها، حتى للصهاينة الانجاس انفسهم !. نحن الان وفي القرن الواحد والعشرين، لا زلنا نعيش جاهلية، هي اعتى واظلم واشد من الجاهلية الاولى قبل الاسلام !... في عصر تكالب القوى الشريرة، على ثورة حفيد الامام الحسين (ع)، الامام الخميني (قدس سره)... لا لذنب ارتكبته، بل لانها احيت الدين الاسلامي، واعادته للواجهة العالمية، بمبادئه المشرقة العظيمة واصوله السمحاء وتعاليمه الفريدة. ولكن الفشل والاندحار نصيبهم في كل ما قاموا ويقومون به... "... يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم ويابى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون " _ (9)، فانبثاق الثورة الاسلامية المظفرة في ايران، وانتصارها بموازرة الشعب وقيادة الامام الخميني (قدس سره)، برهان ودليل على ذلك، فهي ثورة على اتباع الجاهلية، حكام النظام البهلوي المقبور، وانتصار لسيد الشهداء الحسين (ع)، واضاءة الف والف شمعة امل ورجاء، بعدما انقطعا لطول امد الظلم والظالمين، وكما قال سماحته، فان دماء شهداء الثورة الاسلامية هي " امتداد لدماء شهداء کربلاء...فلقد انهت دماؤهم الطاهرة، حكومة يزيد الطاغوتية، واطاحت الدماء الطاهرة لهؤلاء بالملكية الطاغوتية... " _ (10). اننا اليوم نشهد المسيرات المليونية، التي يشارك فيها الاحرار من كل حدب وصوب وعلى اختلاف اديانهم ومذاهبهم ومشاربهم، اليس هذا دليلا على عظمة (الاربعين) وسيد (الاربعين) الامام الحسين (ع)، وانحسار الباطل وافول امبراطورية الشيطان الاكبر العظمى ! واندحارها وتقهقرها، في العالم اجمع والاسلامي خاصة ؟... " لقد علمنا سيد الشهداء ما ينبغي فعله في مواجهة الظلم والجور والحكومات الجائرة. فمنذ البداية كان _ سلام الله عليه _ يعلم طبيعة الطريق الذي اختاره، وانه ينبغي له التضحية بجميع اهل بيته واصحابه الحسين (ع)، الى انصاره واتباعه ومحبيه في عصرنا الحاضر، ومن قام على المسار مضحيا، شاهرا سيفه بوجه طغاة اليوم، كالامام الخميني (قدس سره). ان اول من رثى الحسين (ع) كما ذكرت مصادر متعددة، كاعيان الشيعة، للسيد محسن الامين، وموسوعة كربلاء للبيب بيضون، هو بشر بن حذلم، عند عودة قافلة اهل البيت (ع) من الشام الى المدينة، وكانت السيدة الطاهرة ام البنين (ع) اول من استقبل الشاعر والقافلة، حيث صدح يندب الحسين (ع):
يا اهل يثرب لا مقام لكم بها
قتل الحسين فادمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج
والراس منه على القناة يدار. وهذا عقبة بن عمرو السهمي راثيا:
مررت على قبر الحسين بكربلا
ففاض عليه من دموعي غزيرها
وما زلت ابكيه وارثي لشجوه
ويسعد عيني دمعها وزفيرها
وبكيت من بعد الحسين عصائبا
اطافت به من جانبيه قبورها. _ (12).
______
1_ 23، الاحزاب.
2_ 15، الاحقاف.
3_ 142، الاعراف.
4_ د. خليل الرفوع، موقع عمون.
5_ 1، العلق.
6_ 14، المؤمنون.
7_ القائل هو يزيد بن معاوية.
8_ 17، فصلت.
9_ 32، التوبة.
10_ صحيفة الامام العربية، ج 5، ص 323.
11_ نفس المصدر، ج 17، ص 50.
12_ هو من بني سهم بن عوف بن غالب. السيد الامين، ج 41، الاعيان.
_______
د. سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (قدس سره).