بسم الله الرحمن الرحيم.
لم يبلغ احد قمة الانسانية ، وشرف وجود الانسان على الارض ، وتناثره هنا وهناك بامتداد شرقها ، غربها ، جنوبها وشمالها ، منذ الازل لحد الان ، ما بلغه نبينا الاعظم (ص) ، فهو ليس سيد الانبياء والرسل (ع) فحسب ، بل واشرفهم بما كل ما تعني الكلمة وتشير اليه ... فهو الامين في عهد الجاهلية المظلم ، والحكم الذي ارتضته ، انذاك ، قبائل الجزيرة العربية ، لرفع الحجر المقدس ووضعه في مكانه المناسب في الكعبة ، بعدما اشتد الخصام بينها ولم يبق الا السيف والسنان حكما! وبشرت بقدومه الميمون الكتب السماوية وخاصة التوراة ، فاستبشر بذلك بادئ الامر ، يهود بني النضير وبني قريظة ، واخذوا يعدون الايام لظهوره والالتحاق بالدين الجديد الذي ياتي به ، ولكنهم ارتدوا على اعقابهم ، لما استبانوا ان المبعوث ليس من بني اسرائيل هذه المرة ! فناصبوه العداء منذ ولادته (ص) ، وليدا ، حدثا وشابا ، وبذلوا ما استطاعوا للقضاء علیه، متعاونین مع ارکان المشرکین من قریش واحلافها ، ومتحدین مع الاوس والخزرج، قبل ان يهديهم الله تعالى، ويتحولوا الى انصار النبي (ص) والدين الجديد ... حيث باءت مساعيهم بالفشل الذريع. فما نفعهم حصر المسلمين الجدد في شعب ابي طالب لسنوات عدة، قاسى ما قاسى خلالها المسلمون من انواع العذاب ، وما نفعهم ايضا ، تدمير ونهب ممتلكات المسلمين في مكة ، ولا مطاردة الرسول (ص) حين قرر الهجرة الى يثرب (المدينة)، وكان (ص) قاب قوسين او ادنى من الموت المحدق به ، وهو في غار وصلوا اليه ، ولم يفصله عنهم غير نسيج عنكبوت وحمامة نائمة على بيضها ! فسبحان الله العلي العظيم ... واوفدوا احدا منهم الى الحبشة (اثيوبيا)، وكان صديقا حميما لملكها المسيحي ، لاعادة اوائل المسلمين ، الذين امرهم النبي(ص) بالهجرة اليها ، بادعاء انهم عبيد مارقون لقريش ، ويتوجب تكبيلهم وارجاعهم الى اسيادهم ! فكان رد الملك الحبشي، ان الفارق بينه وبينهم كخيط رفيع ، ولا يمكنه تسليمهم الى الموفد القريشي ولو بجبل من ذهب ! ... وهكذا عاد مبعوث المشركين بخفي حنين ! ودخل الرسول (ص) يثرب منتصرا، مرحبا به من قبل اهلها ، الذين اصبحوا انصارا له. وتوالت الانتصارات بعد ذلك في بدر وغيرها ، وانطلقت جحافل المسلمين ، لفتح مكة وتطهيرها من دنس الاصنام والمشركين ، حتى ان ابا سفيان لم يصدق ما شاهدته عيناه ! فاسلم غير مؤمن بالاسلام ونبي الاسلام (ص) حقيقة وواقعا ! فقد التف معاوية بن ابي سفيان على الدين الفتي ، متظاهرا بالتقوى وخلافة المسلمين، التي اغتصبها زورا وبهتانا ، واعاد تقاليد الجاهلية البغيضة ، واسرف في ذلك بل وتعدى الحدود ! ... فاقام سلطنة وراثية ، ترتكز على العنصرية والظلم والفساد ، ونسخ ما جاءت به الديانة الجديدة. وتبعه وارثه يزيد ، الذي حول خلافة المسلمين الى العوبة ودمية ، يوجهها حيثما اراد ، ولطخ يديه بدماء اهل البیت (ع) الزکیة، فرحا بنيله ثار مشركي قريش في معركة بدر. الا ان ذلك لم ينفعه وبني امية قاطبة ، فاصبحوا لا ذكر لهم، وكانهم لم يدبوا على الارض ابدا ! ... وما حصدته الخلافة العباسية ، التي قامت على اكتاف الموالين لاهل البيت (ع) وتنكرت لهم، غير الخيبة، والخذلان، وما بقي في الساحة ، الا ال النبي (ص)، والدين القويم والمنهج السليم ، الذي اريقت على دربه دماء طاهرة جمة. اننا، اليوم، نحتفل، بميلاد سيد البشر، والطهر المطهر، صاحب العروة الوثقى، والرسول الامجد محمد (ص)، في الوقت الذي يتقاتل فيه المسلمون ، ويهطع اكثر زعمائهم الرؤوس ، وينحنون تعظيما وتبجيلا لشيطان رجيم ، جاء الاسلام للقضاء عليه، وازاحته عن الطريق، ويوالون بهائم ترتدي البسة البشر، هي بقايا من شهروا السيوف بوجه النبي الاعظم (ص) ابان ظهور الاسلام ، فهل صغوا لما يقوله الله تعالى ، ووعوا ذلك ؟ ... وهل ادركوا عاقبة ما يقومون به ؟ ف " مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ." _ (1) ... فاين العبر والمعتبر ؟ ... فهم يتعرضون للغزو داخل اراضيهم وبلدانهم وبيوتهم من بني صهيون ، الذين طبلوا وزمروا لهم ، مطبعين حسب ما يدعون ! وما يرف لهم جفن او ينبض عرق بالغيرة ! فهي الذلة بحذافيرها، كما قال امير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة: " ... فوا الله ما غزي قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا ... " _ (2). لقد تركوا الكيان الصهيوني الغاصب ، العدو اللدود للاسلام والمسلمين، واتخذوا معاداة الجمهورية الاسلامية الايرانية ، شعارا وهدفا ، لان الشيطان الاكبر يريد ذلك ! وقد جاءت الثورة الاسلامية، بالوحدة والاخوة، وان الاسلام واحد لا ثاني له، والمسلمون سواسية فيما بينهم، لا تفصلهم الا التقوى بالتقرب الى الله عز وجل و"... ان اكرمكم عند الله اتقاكم ... " _ (3) ... فما الذي حصدوه وافغانستان خير دليل على ذلك ؟ ! ... " نحن المسلمون من حيث العدد من اكبر الشعوب اذا كنا معا ، وترواتنا من اكثر الثروات ، وافرادنا اشخاص عظام وبارزون. امل ان نجتمع بالوحدة الاسلامية تحت راية تعاليم القران ... " _ (4) ، واي تعاليم افضل منها ؟. ان ميلاد النبي الاكرم (ص) ، يقودنا الى التاخي والتكاتف والاتحاد، للوقوف بوجه موامرات الامبريالية العالمية ، المتمثلة بامريكا ، المنزلقة على مسار الافول والزوال، باذن الله تعالى ، والانصياع الى ايات القران الكريم ، التي تدك مسامعنا ان " ... اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ... " _ (5) ، و" ان يكون المسلمون والشعوب الاسلامية اخوة فيما بينهم ، كما امر الاسلام والقران المجيد ، وان يقفوا في وجه اعداء الانسانية والدول الاسلامية، وهذا لن يحصل الا اذا وضعت الخلافات الجزئية والبسيطة ، بين الدول جانبا واصبحوا اخوة فيما بينهم ...." _ (6) وما النعرات الطائفية ، التي يثيرها بين حين واخر منحطون وانتهازيون، يقتاتون على موائد اسيادهم، من الامريكان والصهاينة، كالتفرقة بين الاشقاء من السنة والشيعة، الا نماذج واضحة للعيان ، حول ما تدبره خفافيش الليل ضد الاسلام الاصيل واتباعه ، وكما قال الامام الخميني (قدس سره)، فان " مسالة السنة والشيعة غير مطروحة في الاسلام. الجميع اخوة فلا انتم اعداؤنا ولا نحن اعداؤكم ، لان الاسلام دين الاخوة والمساواة. " _ (7) ، وهو جل جلاله " الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ." _ (8)، بما فيهم الجدد الذين يجعلون مع الله تعالى الها اخرا ! ف " سبحان ربك رب العزة عما يصفون ... " _ (9) ... وها هو عيد الميلاد الاغر وعيد الوحدة الاسلامية، تتباهى بالمولد الشريف صادحة:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملا الملائك حوله
للدين والدنيا به بشراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي
والمنتهى والسدرة العصماء
وحديقة الفرقان ضاحكة الربى
بالترجمان شذية غناء
والوحي يقطر سلسلا من سلسل
واللوح والقلم البديع رواء ._ (10).
______
1_ 41، العنکبوت. / 2_ الخطبة 27، نهج البلاغة. / 3_ 13، الحجرات. / 4_ صحيفة الامام العربية ، ج14، ص 23. / 5_ 103، ال عمران. / 6_ صحيفة الامام العربية ، ج 9، ص 218.
7_ نفس المصدر ، ج 9، ص 327. / 8_ 33، التوبة. / 9_ 180، الصافات. / 10_ احمد شوقي ، من قصيدة غراء يمدح بها الرسول الاعظم (ص).
_______
د. سيد حمود خواسته ، القسم العربي ، الشؤون الدولية ، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (قدس سره) .